ألمانيا ومفاجأة سارة للمصريين حول "ورطة" بيع الغاز لإسرائيل
محيط
ما أن هددت شركتا "إمبال" و"إيه. جى. آى" الأمريكيتان المساهمتان في شركة "غاز شرق المتوسط" المسئولة عن تصدير الغاز لإسرائيل برفع دعوى تحكيم أمام المركز الدولي لتسوية النزاعات الاستثمارية في واشنطن ضد الحكومة المصرية ، إلا وظهرت مفاجأة سارة من داخل ألمانيا قللت من أهمية الخطوة السابقة وأربكت حسابات إسرائيل تماما .
ففي 30 مايو ، رجح مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي غونتر أوتينغر ازدياد أهمية الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة بالنسبة لأوروبا بعد قرار ألمانيا إغلاق جميع مفاعلاتها النووية بحلول العام 2022.
وخلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة النمساوية فيينا ، قال أوتينغر :"بعد قرار ألمانيا في 30 مايو إغلاق مفاعلاتها النووية الـ17 خشية تكرار الكارثة النووية التي حدثت في محطة فوكوشيما اليابانية بعد زلزال مارس/آذار الماضي ، فإن الغاز الطبيعي سيصبح محركا للنمو ، خط أنابيب نابوكو للغاز الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي وواجه تأجيلات وارتفاع التكاليف سيكون مفيدا لأوروبا ".
وتابع أن هدف خط نابوكو نقل الغاز إلى أوروبا من منطقتي بحر قزوين والشرق الأوسط اعتبارا من 2017 لتقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي ، مشددا على أن إمدادات الغاز الجديدة مهمة لأن طلب أوروبا على الطاقة يتزايد ، في الوقت الذي يتراجع فيه الإنتاج المحلي مما يجعلها تعتمد بشدة على الواردات من بحر قزوين والشرق الأوسط .
واختتم أوتينغر تصريحاته قائلا :" بعد قرار ألمانيا إغلاق مفاعلاتها التي تؤمن 22% من حاجاتها لتوليد الطاقة الكهربائية ، سيتعين عليها البحث عن مصادر أخرى للطاقة يعتقد بأن الغاز الطبيعي سيكون جزءا منها إلى جانب الطاقة المتجددة ".
ورغم أن التصريحات السابقة لم تتطرق صراحة للدول في الشرق الأوسط التي ستعتمد عليها ألمانيا وأوروبا ، إلا أن توقيتها بعث برسالة طمأنة قوية لمصر في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية .
التحكيم الدولي ففي 30 مايو ، هددت شركتا "إمبال" و"إيه. جى. آى" الأمريكيتان المساهمتان فى شركة "غاز شرق المتوسط" المسئولة عن تصدير الغاز لإسرائيل برفع دعوى تحكيم أمام المركز الدولى لتسوية النزاعات الاستثمارية في واشنطن ضد الحكومة المصرية في حال استمرار توقف تصدير الغاز لإسرائيل.
وحسبما جاء في تقرير لصحيفة "المصري اليوم" ، فقد اعتبرت الشركتان توقف تصدير الغاز انتهاكا لاتفاقية حماية الاستثمارات التي وقعتها مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأرسلت الشركتان الأمريكيتان اللتان تملكان 28% من أسهم "شرق المتوسط" - بحسب التقرير - أول إخطار رسمي بشأن دعوى التحكيم إلى مسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية يستند لنصوص الاتفاقية الثنائية لحماية الاستثمارات الموقعة بين مصر والولايات المتحدة.
وأشار الإخطار إلى أنه بموجب المعاهدة المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية مصر العربية بشأن تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة فإن شركتي "إيه جى أى" و"امبال" المساهمتين في شركة "غاز شرق المتوسط" وهى المالك والمشغل لخط أنابيب "السلام" الممتد من العريش حتى عسقلان تطالبان بتطبيق المادة 7 من المعاهدة والتى تفيد بإجراء مشاورات بين الوزارات المختصة من البلدين لحل أي نزاع استثمارى كخطوة أولى قبل إحالته إلى التحكيم في المركز الدولى لتسوية النزاعات والذى يصدر حكما ملزما وغير قابل للنقض.
وتابع الإخطار أن الحكومة المصرية اتخذت عدة إجراءات تنتهك أحكام معاهدة الاستثمار الثنائية بينها وبين الولايات المتحدة والتى تشتمل على التزامات عديدة ، من بينها على سبيل المثال ، الحفاظ على بيئة مواتية للاستثمار داخل أراضيها لمواطنى البلد الآخر، بحسب المادة الثانية من المعاهدة.
وأضاف أن مصر ملتزمة بحصول الاستثمارات الأمريكية على معاملة مميزة داخل أراضيها وعدم اتخاذ أى إجراء من شأنه حرمان المستثمر الأمريكي من القدرة على إدارة ومراقبة استثماراته في مصر أو مصادرتها بشكل غير مباشر، بحسب المادتين الثانية والثالثة من المعاهدة المبرمة، وفقا لأحكام القانون الدولى.
وأشار الإخطار أيضا إلى أن الحكومة المصرية ألزمت نفسها بأن تضمن توريد الغاز بحسب قرار وزاري أعطى صلاحيات لرئيس الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعى كبائع لإبرام عقد توريد الغاز الطبيعى مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط ، كما أن البائع "هيئة البترول والقابضة للغاز" بمثابة طرف ثالث كضامن لكميات ونوعية الغاز الطبيعي التى سيتم تسليمها خلال مدة العقود الموقعة مع شركة غاز شرق المتوسط.
وتابع الإخطار أن الحكومة المصرية منذ فبراير 2011 فشلت فى توفير وتأمين إمدادات الغاز وحمايتها لشركة "غاز شرق المتوسط" ، فضلا عن رفضها استئناف تسليم كميات الغاز المتعاقد عليها إلى الشركة والتي تلتزم بتأمينها بحسب البنود الموضحة في الفقرة السابقة.
وحذر الإخطار من أنه تم اتخاذ أول إجراءات رفع الدعوى وهو مرحلة تشاور الوزارات المعنية من البلدين لحل النزاع وحال عدم التوصل إلى حل سيتمسك الشركاء الأمريكيون بالحصول على تحكيم دولي ملزم للجانب المصري وسيعملون على إقناع باقى المساهمين من الجنسيات الأخرى باتخاذ إجراءات مماثلة وفقا للمعاهدات الثنائية الموقعة بين مصر وجنسيات المساهمين.
وفي السياق ذاته ، قالت "غاز شرق المتوسط" إنها تدرس الوضع الحالي ومدى إمكانية تحريك دعوى قضائية ضد الشركة القابضة للغاز ووزارة البترول المصرية وفقا لشروط العقد المبرم مع قطاع البترول ، مؤكدة أن وقف توريد الغاز لإسرائيل يصيبها بخسائر كبيرة.
فرصة سانحةورغم أن التهديدات السابقة أثارت مخاوف البعض في مصر بالنظر إلى أن الفساد الذي شاب صفقة تصدير الغاز لإسرائيل ارتكبه نظام الرئيس السابق حسني مبارك ورجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم وبالتالي فإن التحكيم الدولي قد يأخذ بوجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية ، إلا أن هناك من رأى عكس ذلك ووجد فيما يحدث فرصة سانحة لمصر لتعديل شروط الصفقة وخاصة فيما يتعلق بتقليل فترة سريانها التي تمتد لـ 20 عاما ورفع سعر بيع الغاز وفقا لما هو معمول به حاليا في السوق العالمي .
فمعروف أن البدائل أمام إسرائيل تتركز في الغاز القطري أو الغاز الروسي ، إلا أن تكلفتهما عالية جدا لبعد المسافة ، وهو الأمر الذي سيجبر تل أبيب في النهاية على الرضوخ لمطالب مصر فيما يتعلق بتعديل بنود صفقة الغاز .
بل وهناك من فسر تهديدات شركتي "إمبال" و"إيه. جى. آى" وحملة الدعاية الإسرائيلية حول البحث عن بديل للغاز المصري بأنها مجرد محاولة للضغط على القاهرة للإسراع بضخ الغاز مجددا للكيان الصهيوني والإفلات من مطالب رفع سعره ، إلا أنه لن يتم على الأرجح اللجوء إلى التحكيم الدولي بالنظر إلى الدعوات المتصاعدة في الشارع المصري لإلغاء الصفقة ودفع التعويضات للمتضررين أيا كانت قيمتها بدلا من استمرار بيع الغاز لـ 20 عاما بأسعار بخسة وبالتالي ضياع مليارات لا حصر لها .
ولعل قرار ألمانيا إغلاق جميع مفاعلاتها النووية بحلول العام 2022 والذي سيتتبعه ارتفاع أسعار الغاز أضعاف ما هي عليه الآن هو أمر آخر يدفع الشارع المصري للاصرار أكثر وأكثر على إلغاء صفقة الغاز مع إسرائيل ، بالنظر إلى أن أية خسائر متوقعة مهما كانت قيمتها سيتم تعويضها على وجه السرعة ، بل إن ألمانيا قد تكون أيضا بديلا لإسرائيل فيما يتعلق باستيراد الغاز المصري .
والخلاصة أن المفاجأة التي خرجت من داخل ألمانيا وجهت ضربة موجعة لإسرائيل وقد يكون لها تداعيات سياسية أيضا في حال استغلتها مصر لردع تل أبيب عن التدخل في دول حوض النيل مقابل الموافقة على استمرار تزويدها بالغاز وفقا للأسعار العالمية ولفترة محددة .