لا تضف تعليقًا
المتأمل لتعليقات القراء علي المواقع الإلكترونية للصحف سيعرف حجم المأساة التي نعيش فيها، جهل وانطباعات ساذجة وخليط من الاستظراف وقلة الذوق والاتهامات سابقة التجهيز والتلميحات سيئة المعني، حالة من النشاط في منطقة تكشف عورة المجتمع الذي نعيش فيه وتجعلني أطالب أصحاب المواقع الصحفية بفلترة هذه التعليقات لأنها قبل أن تسيء لأصحابها (أصحاب الأسماء المستعارة) تسيء للجريدة نفسها، إذ إنها تثبث أنها المفضلة لدي قطاع واسع من الجهلاء أصحاب اللياقة البدنية العالية، بخلاف أن هذه التعليقات تفسد عمل الآخرين بأقل مجهود، فالكاتب الذي يجتهد ليقدم 500 كلمة خلاصة تفكيره وبحثه بلغة صادقة وبسيطة وغير مضللة ويجتهد حتي يرضي ضميره عن الناتج النهائي، هذا الكاتب سيفاجأ بقارئ يجلس أمام الكمبيوتر يعبث بأنفه ويقرأ سطرا من المقال ويترك سطرا بشكل يتعالي فيه علي الكاتب ويشكك في ميوله وفي نواياه ويسيء الظن فيه كده لله في لله، وكأن الكاتب مندوب مبيعات من الذين يمرون علي المقاهي ليبيعوا للناس بضاعة مضروبة، جهل مطبق يقود القارئ لأن يفسد مجهود الكاتب بتعليق سخيف أو جاهل يشتت ذهن قارئ جاد يود أن يقول كلمة مفيدة للناس وللكاتب فينشغل بالرد علي القارئ الجاهل فتتحول ساحة التعليقات إلي مرحاض عمومي بعد أن استهلك الكاتب نفسه في تحويلها إلي حديقة عامة.
التعليقات عندنا تثبت أن القراء أنواع، هناك القارئ المنفسن الذي يعلق علي خبر مثل خبر «حفل عمرو دياب في حب مصر» قائلا: (حب مصر إيه وهو بياخد 750 ألف دولار في الحفلة)، ولن تستطيع أن تعرف بالضبط من أين حصل القارئ علي هذه المعلومة، ويأتي بعده قارئ ساذج ليتعامل مع المعلومة باعتبارها حقيقة فيوجه شحنة من السباب لعمرو ويكشف في نهاية تعليقه عن كونه-بخلاف أنه ساذج - مدعي وطنية ويريد أن يمنح كلامه الساذج ثقلا ما فيختتم تعليقه بـ(ولن أقول غير أن القدس يصرخ يا عرب) ، وهناك القارئ ذو الثقافة الدينية السطحية الذي يقول تعليقًا علي خبر وفاة الضحية 33 لإنفلونزا الخنازير قائلا: ( متي سنتمسك بتطبيق الشريعة وحكم الدين؟ إنه عقاب الله)، هناك القارئ أبو دم خفيف الذي يعلق علي خبر تعيين أول سيدة في منصب سكرتير عام لمحافظة بورسعيد قائلا: ( المهم المحافظ مايخونش مراته معاها)، وهناك القارئ المتشدد الذي يمسح بكرامة الكاتب الأرض لأنه قال «آدم وحواء» ولم يقل سيدنا آدم وسيدتنا حواء، وهناك القارئ المجامل الذي يعلق علي الكاتب بوصفه الكاتب بـ(العسولة)، وهناك القارئ الأوفر الذي يتمادي في إظهار إعجابه بأن يعلق متسائلا: (إنت بتكتب فين تاني عشان نقرالك؟) ،وهناك القارئ الذي يحفل رده بالمعلومات الخاطئة التي يتداولها البوابون مع بعضهم (سيعلق قارئ أعرف علي هذه الجزئية قائلا: ومالهم البوابين مش بني آدمين ولا إيه؟)، وهناك القارئ الذي كان يحلم بأن يصبح كاتبا فيكتب تعليقا أكبر من المقال نفسه، رد يكشف لماذا فشل هذا القارئ أن يصبح كاتبا .
القراء نعمة كبيرة وهناك قراء تعلمت منهم الكثير وهناك قراء غيروا طريقة تفكيري وهناك قراء صححوا لي معلوماتي بكل أدب واحترام وهناك قراء ألهموني أفكارًا لمقالات وكتابات حصدت بها النجاح لوحدي وهناك قراء أعاروني كتبًا وآخرون جمعوا لي دراسات وإحصائيات دعمت عملي وهناك قراء بأعينهم لا أعتبر أي شيء جديد أكتبه ناجحًا إلا عندما أعرف أنه لقي قبولهم واستحسانهم، فكرت كثيرا فيما يجمع بينهم وفيما يميزهم عن القراء الذين يفقدون أعصابهم بمجرد رؤية جملة (أضف تعليقا)، فاكتشفت أن القراء أصدقائي كانوا صادقين في تواصلهم معي للدرجة التي تجعل كل واحد منهم حريصًا علي أن يتواصل بشكل شخصي ولو عبر رسالة قصيرة أو إيميل لإبداء الإعجاب أو للفت نظري لخطأ ما أو وجهة نظر غير مقنعة، هو شخص محترم ينافس الكاتب في دأبه وحرصه علي المصلحة العامة، هو قارئ يسعي الكاتب خلفه (علشان يصحح له الواجب) ويختلف كثيرا عن النوع الآخر من القراء الذي يشبه الصبية الذين يجرّحون السيارات الغالية بمسامير صدئة