بورسعيد تموت قبل الثورة وبعدها
الوفد
جمال عبد المجيد-حمادة بكر
أطول عقاب جماعي شهدته مصر الحديثة.. بدأ بحادثة اختلفت حولها الروايات وانتهي برحلة تعذيب استمرت قرابة 14 عاماً لمدينة بورسعيد التي دمرت وقاومت العدوان الثلاثي في 1956 والتي استعصي جانبها الشرقي المتمثل في بورفؤاد علي اسرائيل في ايام النكسة وما بعدها.
العقاب الجماعي الطويل بدأه مبارك بعد حادثة أبو العربي عام 1997، فقد صور صفوت الشريف وزير الاعلام وأمين الحزب الوطني المنحل للرئيس المخلوع مبارك أن بورسعيد تكرهه، وأن «أبو العربي» حاول قتله، ويجب شن حملة تأديب جماعية للمحافظة.
وبالفعل قام رجال النظام السابق بوضع خطة محكمة لتأديب المحافظة.
فتم رفعها من خطة الدعم الدولي، وحرمانها من بناء المستشفيات، والغاء المنطقة الحرة تدريجياً ونقل مقر مجلس الدولة الفرعي «القضاء الاداري» من بورسعيد الي الاسماعيلية.
«الوفد الأسبوعي» انتقلت الي المدينة التي تتعرض لأطول عقاب في التاريخ في أحد الشوارع الشهيرة ببورسعيد وهو «الشارع التجاري» وجدنا المحلات خاوية ليس بها إلا أصحابها ينتظرون مشتريا لم يحضر إليهم منذ سنوات.
وأمام أحد المحلات سألنا نبيل مرسي قاسم «52 سنة» عن سبب الركود الذي شاهدناه في المنطقة فأجاب: بورسعيد قبل عام 1997 كانت أكبر المناطق التجارية في الشرق الأوسط.. وكان أهلها يتمتعون بأعلي متوسط دخل عن المحافظات الأخري، لكن بعد عام 1997 وقعت حادثة «أبو العربي» الملفقة وبدأوا في تأديب المحافظة.
وقال المسئولون «هنقفلهلكم».. وفعلاً نفذوا «ما قالوه» حتي أصبحنا لا نملك قوت يومنا، فالمحلات ندفع ايجارها وكذلك التأمينات والضرائب والكهرباء ولا نوفر شيئا.
فقبل عام 1997 كان متوسط دخلي 250 جنيها في اليوم والآن لا أحصل علي 15 جنيها وقد أظل طوال الاسبوع لا يدخل جيبي مليم واحد.
أيمن غالي «34 سنة - أحد الباعة المتجولين» يقول: لم تعد بورسعيد منطقة حرة.. بل أصبحت منطقة مقيدة ولا يدخلها أحد.. فقبل أن يأتي إلينا رئيس الجمهورية كانت الشوارع مزدحمة لدرجة كبيرة حيث كان يحضر إلينا الأجانب والمصريون من مختلف محافظات مصر، لكن الحكومة بدأت حملة ارهاب ضد الشعب البورسعيدي في قضية كاذبة لفقوها لأحد أبناء بورسعيد دون رحمة.
فاروق راشد «65 سنة» يعمل علي «فرش» ملابس، يقول: «البلد مش لاقية تاكل» لأن حسني مبارك كان يعمل ضدها ولا نعرف لماذا تعنت ضد أهل هذه المحافظة، فنحن لم نفعل له شيئا.. بل مات أبو العربي ظلماً وعدوانا.
وأضاف: جمال مبارك توعدنا بتلبيس الطُرح بعد الحادثة.
ويلتقي طرف الحديث حسين السيد عبدالله «بائع جوارب» فيقول: لقد خرب بيوتنا حسني مبارك.. حيث خرجت علي المعاش المبكر في سن 55 عاما بسبب قوانينه، ولن ننسي وقوف زكريا عزمي علي سلم المحافظة وتهديده لأهالي بورسعيد يوم حادثة أبو العربي الذي لم يرتكب أي جر م بل كان يقدم شكوي للرئيس، ولكن قتلوه وظلموا أهل بورسعيد بالكامل.
فبورسعيد كانت تضم عمالة وصلت الي 4 ملايين شخص من محافظات مصر، لكن الآن شبابها لا يجدون فرصة عمل بسبب الكساد.
سمير الجوزة «33 عاما» ويعمل بائعاً متجولاً يقول: لقد تم اعتقالي عام 2002 مع مجموعة من التجار بلغت 20 تاجراً من الرافضين لقرار رئيس الجمهورية إلغاء المنطقة الحرة، وتعرضت للتعذيب مع باقي التجار.
وأضاف: ابناء بورسعيد يعتمدون علي التجارة التي ورثناها أباً عن جد فنحن لانعرف الزراعة ولا أي مهنة اخري، فشباب بورسعيد إذا لم تكن لديهم محال تجارية فلابد أن يكون لهم «فرش» أو يعملوا في مصنع.
السيد فوزي «32 سنة» قال: إن شعب بورسعيد يتضرر من الوارد.. ونريد إلغاءه بأن يقتصر الاستيراد علي شعب بورسعيد لاعتماده الكلي والجزئي علي التجارة لأنه عندما تفتح الحكومة استيراد الملابس لجميع التجار في مصر فهذا يؤثر علي بورسعيد ويجعلها بلا قيمة ولن يدخلها مشترون لوجود نفس السلعة في محافظتهم وبنفس السعر.
أشرف المهدي «صاحب محل ملابس» يقول: «البلد مخنوقة والناس بتصرخ، ومش لاقية تاكل.. احنا مش عايزين وظائف، عايزين البلد تتحرك».
وليد محمد مستورد ملابس من الصين وتايلاند وتركيا يري أن أهم مشكلة تواجه المحافظة هي فتح باب الاستيراد لكل المحافظات، والدولة بعد الثورة بدأت تتجه الي المحافظة، حيث قامت بزيادة حصص الاستيراد لترتفع الي 92 مليون بطاقة استيرادية بعد ان كانت في الماضي 30 مليون بطاقة فقط.
وأضاف: أن بورسعيد «بلد صغير وفيها خير» وتحتاج سنوات حتي تنهض من الغيبوبة، وأوضح أحمد قزامل نقيب المحامين ببورسعيد أنه تمت معاقبة بورسعيد بسبب حادثة محاولة اغتيال مبارك الوهمية وتمثلت المعاقبة في رفع المحافظة من خطة الدعم الدولي، كما حرمت بورسعيد من حقها الطبيعي في ادراجها في الموازنة العامة للدولة.
كما تم وقف جميع المرافق الخاصة بالمحافظة من إنشاء المدارس والطرق والمستشفيات العامة حتي المرضي تعرضوا للعقاب، كما تمت مجازاة شعب بورسعيد بالغاء العمل في مقر مجلس الدولة والقضاء الاداري، وتم نقل جميع ملفات القضايا الي محاكم الاسماعيلية والمنصورة، مما تسبب في معاناة 33 ألفاً و700 متقاض.
وأضاف قزمل: اراضي جنوب بورسعيد والمخصصة لأبنائها تم توزيعها علي غير البورسعيدية، فقد تم توزيع أكثر من 90٪ من ابناء محافظات كفر الشيخ والشرقية، وتم توزيع شاطئ بورسعيد ومعظم أراضي الاستثمار علي رجال الاعمال في الجمهورية مثل محمد فريد خميس ومحمد عبد الفتاح المصري بمبالغ زهيدة، فقد حصل خميس علي 86 فداناً بسعر 15 جنيها و84 قرشاً للمتر، في حين تصل قيمته الحقيقية الي 10 آلاف جنيه، والأدهي من ذلك أنه لم يدفع شيئا لأن المحافظة مدت إليها المرافق والخدمات.
ومع أن ميناء شرق التفريعة مخصص لخدمة بورسعيد إلا أنه تم اعطاؤه لشركة أجنبية، كما تم منح أراضي الظهير الصناعي والزراعي بشرق التفريعة أيضاً لرجال الأعمال الذين أوقفوا المشاريع ولم يقوموا ببناء طوبة واحدة.
وكشف قزامل عن أن نسبة الطلاق بين أبناء بورسعيد التي وصل عدد سكانها 700 ألف نسمة، الي 80٪ بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشعب البورسعيدي وهذه الاحصائية من واقع سجلات المحكمة.
وأضاف قزامل: ان نسبة البطالة في بورسعيد تجاوزت 50٪ ومعظم ابناء بورسعيد في الشارع أو علي المقاهي وتجارها متعثرون.. والبنوك لا تمنحهم قروضاً بسبب عدم سداد ديونهم.
ومع أن الثورةغيرت كثيراً من الأوضاع القائمة إلا أن بورسعيد لم تتغير، لأن محافظها ضعيف، وهبط علي رجال الحزب الوطني الذين مازالوا يسيطرون علي مقاليد الأمور في بورسعيد.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية بورسعيد تموت قبل الثورة وبعدها