رمضان 2004 .. شكل مختلف تماما !!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]كان شهر رمضان -ولا يزال- في مصر مناسبة اجتماعية دينية تعبر عن مدى حيوية التراث الثقافي المصري؛ ففي هذا الشهر نجد الوجه الديني للاحتفال برمضان متمثلاً في قراءة القرآن وحلقات الذكر وملازمة المساجد، والوجه الاجتماعي في الزيارات واللقاءات في المنازل والمقاهي. ويتجلى الجانب الفني في سماع الموسيقى والاستماع إلى السِّيَر والحكايات الشعبية ومواكب الأطفال بفوانيسهم وأغانيهم الجميلة وطواف "المسحراتي" بطبلته ذات الإيقاع المتميز. ويظهر الوجه السياسي في حرص الحكام على الظهور في مناسبات، مثل: صلاة الجمعة، أو رؤية الهلال، أو صلاة عيد الفطر. ويظهر الوجه الشعبي في قائمة الطعام الغنية المتنوعة، والتي حوّلت شهر الصوم إلى مناسبة للأكل.
ومع ذلك، فإنه يلاحظ في السنوات العشر ثم الخمس الأخيرة حدوث تحولات نوعية في هذه الأوجه والفعاليات، اختلف الدارسون حول دوافعها، وإن كان الحراك الاجتماعي "Social Mobility" يظل الدافع الرئيسي في هذه التحولات؛ وهو ما ذهب إليه "جلال أمين" في كتابه الشهير "ماذا حدث للمصريين؟".
وتحاول الفقرات التالية رصد بعض الظواهر والتغيرات التي طرأت على سلوك المصريين في السنوات الأخيرة في سياق احتفالهم بشهر رمضان :
ياميش وفوانيس وصواريخ
رغم اتسام الفاطميين والمماليك بالبذخ في استهلاك كميات أنواع لا تُحصَى من الياميش والمكسرات في شهر رمضان، فإن المصريين على المستوى الشعبي حتى سنوات قليلة سابقة لم يعرفوا سوى البلح وقمر الدين كمشروبات أساسية في رمضان، ولكن يلاحظ في السنوات الأخيرة ظهور أشكال وألوان من الياميش والمكسرات على مائدة إفطار الأسرة المصرية، بالإضافة إلى البلح الذي تفنن تجّاره في إطلاق أسماء المشاهير من نجوم الفن والسياسة على أنواعه المختلفة، ويعد بلح "بن لادن" أحدث هذه الأنواع وأغلاها.
أما الفوانيس، والتي اعتاد المصريون صناعتها من الزجاج والصاج لفترة طويلة؛ حيث كانت تضيء بالشمع، فقد توارت وحل محلها الفوانيس الكهربائية، التي تضيء بالبطارية، وفي إضافة جديدة أصبحت فوانيس رمضان تطلق الألحان والأغاني العربية. والغريب أن سوق الفوانيس في مصر تسيطر عليه الصين منذ سنوات.
وإلى جانب الفوانيس، بدأ يظهر في الشارع المصري في السنوات الأخيرة ما يطلق عليه "صواريخ رمضان"، والظاهرة ليست جديدة؛ حيث اعتاد أطفال القاهرة استخدام مفرقعات بسيطة، مثل: "البمب"، و"حرب إيطاليا"، وغيرها كنوع من مماثلة وتقليد مدفع الإفطار، ولكن الجديد هو الصوت المزعج والمرعب لهذه الصواريخ، والتي تستخدم أحيانًا في مضايقة الفتيات والنساء.
موائد وضيوف خمس نجوم
ربما ترجع فكرة "موائد الرحمن" إلى الولائم التي كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين، وحديثًا ظهرت الموائد على نطاق ضيق في صورة قيام أصحاب المصانع والورش والمحلات بإعداد هذه الموائد لعمالهم ومستخدميهم كنوع من البر، وكوسيلة للحفاظ على سير العمل في رمضان بانتظام.
ولكن يلاحظ في السنوات الأخيرة أن كمية ونوعية "موائد الرحمن" قد تطورت بشكل لافت للنظر، وأثارت جدلاً في المجتمع المصري، خاصة تلك الموائد المتميزة التي اعتادت أن تقيمها بعض الراقصات، واختلف موقف المصريين تجاهها بين الرفض والسخرية والتندر.
كما يلاحظ أن قائمة ضيوف "موائد الرحمن" لم تقتصر على الفقراء والمساكين وعابري السبيل فقط، ولكن امتدت لتشمل فئات أخرى ترتادها لأسباب مختلفة، منها: التنزه، والاستمتاع بهذا الجو، والتجربة.
وقد زاد من عدد ونوعية ضيوف الموائد الأزمات المرورية الطاحنة التي يشهدها رمضان في ساعة الذروة الرمضانية، وتشمل قائمة ضيوف موائد الرحمن مؤخرًا بعض الأجانب، الذين أدمنوا الأكل على الموائد، في محاولة لممارسة هذه الحالة الثقافية من ناحية، وتوفير ثمن وجبة يوميًّا من ناحية أخرى.
مقاهٍ وخيام
تضاعف أعداد مقاهي مصر المحروسة في السنوات الأخيرة بصورة تدعو إلى القلق، خاصة أن نمط المقهى لم يعد هذا النمط الذي صوره مسلسل "ليالي الحلمية" للمقهى الثقافي، والمدرسة التي تخرجت فيها كوادر سياسية وثقافية وطنية؛ حيث تلتهم مقاهي القاهرة ما يزيد على نصف شباب مصر، خاصة في ليالي وأمسيات رمضان، ويجذب الكثير من مقاهي القاهرة روادها مؤخرًا بسبب وجود القنوات الفضائية، خاصة في حالة إذاعة حدث، غالبًا ما يكون مباراة كرة قدم غير مذاعة في التليفزيون المصري.
أما خيمة رمضان، فهي ظاهرة جديدة على المجتمع المصري المعاصر، وغالبًا أنها انتقلت كفكرة من بيروت إلى القاهرة عبر القنوات الفضائية. وتقام معظم الخيام في الفنادق الكبرى، ولا يقدر على ثمن تذاكرها سوى أولاد الذوات، وهى تقيم ليالي يحيها نجوم الفن والغناء تحديدًا على هامش ولائم الطعام والشيشة. ولكن يلاحظ في هذا السياق ظهور نمطين مختلفين عن الصورة السائدة للخيمة، أولهما: الخيمة صديقة البيئة التي لا تقدم خدمة الشيشة، وثانيهما: الخيمة الإيمانية التي تقوم أساسًا على الدروس والفعاليات الدينية.
ليالي فنية وثقافية
يشهد رمضان في السنوات الأخيرة فعاليات فنية وثقافية غير مسبوقة؛ فبعد أن كانت دور السينما والمسارح والملاهي تغلق أبوابها في رمضان، تغيَّر الأمر وقرر أهل الفن أن يحتفلوا برمضان بطريقتهم الخاصة.
ويعتبر نشاط دار الأوبرا أكثر هذه الفعاليات استقرارا؛ حيث تعد برنامجًا خاصًّا برمضان، يتسم بالأصالة، ويتناسب مع طبيعة الشهر، ويرتبط نشاط الأوبرا بشكل أو بآخر بنشاط قصور الثقافة، وإن كانت الأخيرة أكثر جماهيرية من خلال برامجها التى تقدم كل ليلة مجانًا على" قصر الغوري"، و"بيت الهوارى"، و"زينب خاتون" بحي الأزهر أنواع الفنون المختلفة، خاصة الفن الشعبي والصوفي، ومؤخرًا الاتجاهات والفرق التجريبية.
وقد دخلت المراكز الثقافية الأجنبية الفعاليات الفنية والثقافية في ليالى رمضان بقوة، خاصة المراكز الثقافية الفرنسية والبريطانية والإيطالية والإسبانية؛ حيث تخصص هذه المراكز أسبوعًا من ليالي رمضان تقدم فيه المعارض الفنية والعروض السينمائية والمسرحية والحفلات الموسيقية والغنائية فقرة للشيخ "ياسين التهامي" –أشهر المطربين الصوفيين في مصر- كفقرة أساسية في برامجها لجذب الجماهير؛ لِمَا يتمتع به من أداء خاص.
رمضان الشعب
من الظواهر والملامح الأساسية لرمضان القاهرة أن تمتلئ مساجدها بالمصلين؛ وهو ما يدفع بعض أئمة المساجد في أول جمعة من رمضان إلى توجيه خطبة توبيخية، اعتاد المصلون سماعها كل عام عن السبب في عدم وجود هذا العدد الضخم في أيام السنة العادية، وتذكيرهم بأن "رب رمضان هو رب كل العام"! كما تشهد صلاة القيام (التراويح) إقبالاً شديدًا، خاصة في الأيام العشر الأواخر، وليلة ختم القرآن.
ومن الظواهر الجديدة في هذا السياق: الإقبال على صلاة التهجد، التي تمتد من منتصف الليل حتى وقت السحور، كذلك يكثر الاعتكاف في المساجد الكبرى، وتصل ذروة الفعاليات الرمضانية في ليلة ختم القرآن؛ حيث يتوافد آلاف المصلين على المساجد الكبرى: كجامع "عمرو بن العاص" منذ صلاة الظهر، ويرتبط بالمظاهر السابقة رؤية الكثير من قراء القرآن في وسائل المواصلات العامة، وارتداء النساء الحجاب، أو على الأقل التوقف عن ارتداء الملابس الصارخة، خاصة في نهار رمضان، وكذلك التوقف عن تقديم الخمور، وغلق عدد كبير من البارات أبوابها طواعية.
ويلي مشهد الفعاليات السابقة مشاهد لأنشطة دينية رسمية من خلال وزارة الأوقاف والأزهر وغيرهما، مثل: قوافل الدعاة، وملتقى الفكر الإسلامي، وسفر الدعاة والمقرئين إلى مختلف أنحاء العالم لإحياء ليالى رمضان؛ وهو الأمر الذي سيتأثر إلى حد كبير بالأحداث العالمية الجارية.