استعذ بالله من هذا العفريت
نقلا عن : جريدة الوفد
تواصل بوابة "الوفد" الإليكترونية استقطابها لعدد من العقول الفكرية المستنيرة لتلطل علينا بابداعاتها و تضىء لنا شموعاً من المعرفة الإنسانية نهتدى بها إلى حياة أفضل قوامها التمسك بكتاب الله وسنة رسوله الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
وفى هذا الإطار ستطل علينا عبر بوابة الوفد باقة من كتابات لعدد من المختصين نبدؤها بهذه المقالة للكاتب شريف أبو فرحة المحاضر فى العلوم الإنسانية.
استعذ بالله من هذا العفريت
هل فكرت يومًا كيف تكتب رسالة إلى عقلك اللاواعي؟
إن كنت لم تفكر في ذلك يومًا، أو لا تعرف قيمة تلك الرسائل لهذا العفريت المارد الكامن داخل كل واحد منّا، والمسمى بعقله اللاواعي، فاقرأ معي هذه الكلمات بهدوء وتركيز.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْقِهِ عَسَلا فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا فَقَالَ لَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلا فَقَالَ لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ . صحيح مسلم
هل أدركت ما علاقة هذا الحديث بما أقوله عن رسالتك إلى عقلك اللاواعي؟
فالدواء لا يفيد مريضًا بمجرد تناوله مرة واحدة، بل يجب تكراره عدة مرات وعدة أيام حتى يؤتي ثماره!
وكذلك برمجة عقلك اللاواعي تحتاج إلى التكرار.
كرر على نفسك رسالتك كل فترة.
كرر على نفسك الحديـث عن قدراتك كل فترة.
كرر على نفسك قراءة رسالتك الإيجابية حول إمكانياتك كل فترة.
وتخيل معي أنك تكتب التالي:
أنا أمتنع عن التدخين من هذه اللحظة..
أنا أدرك أني إنسان ناجح في عملي، وأحقق ما يطلب مني..
أنا في طريق حصولي على أكبر شهادة جامعية..
هل لاحظت كل تلك الرسائل؟!
إنها رسائل انتبهت جيدًا لزمنها وهي موجهة إلى العقل اللاواعي، فهي تدرك قيمة الزمن في الحديث معه.
وكلها رسائل محددة جدًا، وواضحة جدًا، ولا تحمل في مضامينها أكثر مما تحمل في ظاهرها.
هكذا تكون البداية في حوارك مع هذا العقل اللاواعي!
وإياك ثم إياك أن تغضب هذا العفريت أو تحاول إثارته، بأن تذكر له ما يضايقه، فهو على الرغم من عفرتته، إلا أنه عفريت متفائل، لا يعرف التشاؤم الإنساني البغيض، ولا ينظر إلى الجانب الفارغ من الكوب، ولا حتى الجانب الممتلئ، إنه يملأ الكوب كله مرة واحدة، ليريح نفسه من تلك المعادلات المرهقة.
لا تخبر عقلك اللاواعي في رسالتك تلك أي شيء عن أحزانك أو مخاوفك أو آلامك، حدثه فقط عن أحلامك وطموحاتك وقدراتك.
إن أخطأت وكتبت له:
أريد أن أنسى الحزن..
أريد أن أقاوم الاكتئاب..
فهو سيتجاهل كل ما أردت أن توصله له، ولن يتعلق إلا بكلمتي (الحزن، والاكتئاب) فهو لا يعرف اللغة المعقدة كما قلت لك!
كيف تبدأ حياة جديدة كلها طموح وأمل وقوة، ومازلت تفكر في آثار الحياة القديمة وآلامها؟
كيف تبدأ في بناء نفسك، وما زلت تحمل على أكتافك حجارة قديمة متهدمة؟
كيف تعيش سعيدًا ومرحًا ومقبلًا على الحياة وأنت تفكر في الحزن والاكتئاب؟
كيف تملأ عقلك بالجديد وأنت تفكر فيما تريد نسيانه؟
أسرع وامسك قلمك وغيّر هذه الجمل بجمل أخرى إيجابية:
اكتب معي الآن على هامش هذا الكتاب:
أنا أشعر بالسعادة..
أنا ناجح في عملي بكل المقاييس وأطور نجاحي..
وابدأ فورًا دون تباطئ أو تأجيل..
فعقلك اللاواعي، ومصدر قوتك الخفية لا يعرف التسويف، ولا يعرف المماطلة، ألا تذكر أني قلت لك إنه عفريت عمليّ جدًا؟!
التسويف يولد اللاعمل، واللاعمل يولد الإحباط والمشاعر السيئة السلبية.
ابدأ أخي الآن دون تردد..
وابدئي أختي الآن ودون تردد..
لماذا نضيع جزءًا من حياتنا في التردد والخوف مما يجب علينا فعله؟
لماذا لا نستفيد من كل ثانية نحياها ونعيشها؟
ابدأ فورًا!!
هل تقول لنفسك: وكيف أبدأ؟
إن كنت تقول هذا، فأنت بالفعل قد بدأت الطريق الصحيح، أن تبحث عما تريده، وتفكر في كيفية تحقيقه.
لا تكتف بمجرد التخطيط، وتنتظر النتائج السحرية.
فعفريتك لن يقبل هذا!
عفريتك عفريت عمليّ جدًا!
وهو يراقب كل ما تفعله، فإن أرسلت له رسالة تقول فيها إنك في طريقك للحصول على أكبر شهادة جامعية، فاعلم أنه يراقب ما تفعله، هل حصلت على أصغر شهادة جامعية؟
أم لا؟
هل تتقن لغة أخرى غير لغتك لتعينك على الدرس والتحصيل؟
أم لا؟
هل بدأت في تعلم تلك اللغة التي تحتاجها؟
أم لا؟
هل تقضي ليلك ونهارك في القراءة والدرس والتحصيل؟
أم لا؟
هل تفعل أي شيء عمليّ يكون من شأنه أن يحقق ما كتبته في رسالتك؟
أم لا؟
لا تضيع وقتك في أحلام لا تأخذ الخطوات الجادة في سبيل تحقيقها!