سؤال يحيرنى وأشعر أن جميع المصريين مثلى فى هذه الحيرة، فلطالما وقعت حوادث تستهدف الأمن القومى المصرى وتوجهنا بأصابع الاتهام لإسرائيل أو أى دولة خارجية من أصحاب الأطماع فى مصر،
فبعضها أصابت، وبعضها لم يتحدد مصيرها، والآن لم يعد أمامنا أن نتهم الخارج فقط، فلابد لنا من صحوة كبيرة نُعيد فيها التفكير فيما يحدث الآن فى مصر، وفى من له المصلحة فى التخريب الذى يحدث ومحاولات إثارة الفوضى والفتنة بين مسلمى ومسيحى مصر، وأصبح السؤال الآن هو مَن الذى يعبث بأمن مصر والمصريين؟، ولأجل من؟، وما يستهدفه؟
فإذا سألنا أنفسنا متى نجحت الثورة المصرية، فيمكن أن نقول بأن نجاحها بدأ بالتحديد منذ اللحظة التى قرر فيها الرئيس السابق إقالة حكومة نظيف الفاشلة، وتعيين حكومة جديدة، كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبى، ونتيجة لاستمرار الضغط الشعبى ظهر الرئيس على شاشة التلفاز ليلقى بيانه الثانى الذى كان مضمونه يظهر رجاء يقدمه للشعب المصرى بأن يصبروا عليه حتى تنتهى ولايته، حيث ظهر بمظهر ملؤه الضعف لم نره فيه من قبل، وهو الخطاب الذى استطاع أن يكسب تعاطف كثير من المصريين وليس جميعهم خاصة الثوار فى الميدان، فمن تعاطف معه شعر بأن الرئيس تنازل على غير عادته، أما الثور أكدوا أن هذه هى البداية، وأن هناك العديد من التنازلات التى سوف تؤدى لإسقاط النظام بأكمله، وهو نفس الخطاب الذى أشعر رؤوس الفساد فى مصر- من أصحاب الثروة والسلطة وملفات الفساد أيضاً- بالخوف من المجهول الذى سوف يقابلهم فى حال تنحى الرئيس عن الحكم، وفى حال نجاح الثورة، أو نجاح حكومة الفريق شفيق فى القيام بالإصلاحات التى أعلن عنها الرئيس فى خطابه.
ومن هنا، بدأت محاولات الإفساد من جانب رؤوس الفساد أصحاب الأنياب الطويلة ممن تربوا فى عهد النظام السابق، ونهبوا الكثير، وظلموا الكثير، وتوحشوا فى عهد هذا النظام حتى باتت لهم أنياب يستخدمونها لسحق شعب بأكمله، فهم أصحاب الملفات السوداء التى كشفت وسوف تكشف عنهم الكثير من أوجه الفساد وتؤدى بهم إلى الجحيم، مما جعلهم يخططون لأول ضربة بعد تولى الفريق شفيق لرئاسة الحكومة، حيث دبروا لمعركة الجمل بإرسال البلطجية لمهاجمة وقتل الثوار العزل فى الميدان من أجل إجهاض هذه الثورة، كمحاولة للحفاظ على أماكنهم فى السلطة، ورغم أنهم فشلوا فشل ذريع فى إجهاضها نتيجة المقاومة الشجاعة من جانب الثوار العزل رغم ما سقط منهم من شهداء، والتى أدت بعد ذلك لتنحى الرئيس وسقوط النظام بأكمله، إلا أنهم نجحوا فى القضاء على أى تعاطف تجاه حكومة شفيق، واستمرت المطالبات بإسقاطها ولا يتم إمهالها الوقت لكى تحقق أى إصلاحات، وبالفعل أعُيقت حكومة شفيق وخسرت المساندة الشعبية، وقال البعض أنها ضحية هذا التآمر، واتهمها البعض الآخر بأنها جزء من هذا التآمر.
ولكن الأخطر الآن هو استمرار هذا العبث لإعادة نفس التجربة وإسقاط حكومة الدكتور عصام شرف حتى لا تُمهل الفرصة لتحقيق أى شي، فبعد أن اكتسبت الشرعية نتيجة الرضا الشعبى المحاطة به، إلا أن الأيادى الخفية تريد تعطيلها عن القيام بأى دور إيجابى، وتريد إسقاطها، حتى تثبت فشل الثورة بأكملها وعجزها عن تحقيق أى تقدم أو حتى توفير الأمان، وحتى تثبت أن النظام السابق رغم فساده إلا أنه كان يوفر الأمن والآمان لهذا الشعب، وبالتالى تخيرنا بين الاستمرار فى الدفاع عن الثورة التى جاءت بالفوضى المزعومة، وبين التمنى للعودة للنظام السابق الذى كان يوفر الأمن المزعوم، وهذا هو هدفها الأول.
أما الهدف الثانى فهو منع محاسبة كل من استغل سلطاته فى الإساءة للشعب وفى الاستيلاء على المال العام، فالمتآمرون يعلمون تمام العلم أن حكومة شرف أخطر عليهم من حكومة شفيق لأنها تحظى بدعم شعبى، وتريد تحقيق إنجازات على مستويات عدة، وأنها لن تتهاون فى محاسبتهم، فمنذ بدأت مرحلة عمل هذه الحكومة، وبدأت معها المؤمرات، ومنها حرق آلاف المستندات الخاصة بأمن الدولة والتى كانت لتكشف الكثير من عمليات الفساد التى ارتكبها كبار وصغار القيادات فى هذا الجهاز فى العهد البائد، ثم انتقلت للأساليب الأخطر على هذا البلد، وهى إثارة الفتنة بين مسلمى ومسيحى مصر، واستخدمت أساليب متدنية لإحداث ذلك، فقامت باستغلال العلاقة بين فتاة مسلمة وشاب مسيحى فى قرية أطفيح بحلوان، وهى القصة التى حدثت كثيراً من قبل، ولكن هذه المرة كان مردودها يفوق كل مرة، فلو تأملنا للحظة من الذى قام بالكشف عن هذه العلاقة فى هذا التوقيت بالذات؟، ومن حرض المسلمين أثناء عودتهم من المدافن أن يتوجهوا إلى الكنسية؟، ومن وضع الخمور وكتب السحر والملابس النسائية داخل الكنيسة حتى يغضب المسلمون ويحرقوا الكنيسة؟، وهو الأمر الذى يحدث لأول مرة، والذى دفع بالمسيحيين بالاعتصام أمام مبنى ماسبيرو، ففى الإجابة على هذه التساؤلات سنعرف أن هناك أيادى خفية تعبث بالعلاقة بين الطرفين وتحرض كل طرف على الآخر، وأن هذه الأحداث لم تقع بالصدفة، وهى نفس الأيادى التى تدخلت لإرسال السيارة المُحملة بأفراد مُسلحين لإطلاق النار على جنود الجيش فى إحدى نقاط التفتيش ببورسعيد ثم فرارها، مما تسبب فى قتل ضابط الجيش أشرف أحمد يوسف أثناء تأديته لعمله.
فالعابث بأمن مصر وشعبها، هو من يريد إجهاض الثورة، وهم كثر، أولهما كبار القيادات بالحزب الوطنى السابقين والحاليين ممن خسروا الكثير بانهيار نظام مبارك الفاسد الذى كان يوفر لهم السلطة والنفوذ، وثانيهما أعضاء مجلسى الشعب والشورى ممن خسروا مقاعدهم بحل المجلسين قبل أن يستغلوه كما جرت عادتهم لتحقيق مصالحهم، وثالثهما رجال الأعمال والمسئولون المتهمون فى قضايا الاستيلاء على المال العام، والاستيلاء على أراضى الدولة، والمسئولون عن التخطيط لقتل المتظاهرين وتدبير موقعة الجمل، والمُهددين بالسجن ومصادرة جميع أمولهم فى الداخل والخارج، وهم معروفون، لأنهم على أبواب التحقيقات الآن، فضلاً عن الذين لم يتم الكشف عنهم أو تقديمهم للتحقيقات حتى الآن، ورابعهما بعض رجال أمن الدولة ممن يشعرون بالفزع نتيجة المطالبات المستمرة بحل جهاز أمن الدولة، ونتيجة تسرب وثائق قد تدينهم فى قضايا إرهاب أو فساد، ولن يخرج الأمر عن تواطؤ البعض مع العدو الأول لمصر "إسرائيل" لإجهاض الثورة التى فى حالة نجاحها بشكل كامل، فإنها سوف تجعل من مصر قوة سياسية واقتصادية وعلمية كبيرة فى المنطقة، وهى القوة التى سوف تخلق قوة للعرب جميعا وتوحدهم، وبالتالى فإن محاولات إشاعة الفوضى فى البلاد تهدف بث شعور لدى الجميع بضرورة عودة الشرطة وأمن الدولة والنظام القديم الذى كان يوفر الأمن رغم أنه كان يهدر الكرامة، وإثبات فشل حكومة شرف فى تحقيق أى إنجاز، وإعاقة أى محاولات لإنهاء المرحلة الانتقالية على خير، والأهم إثبات فشل الجيش فى مواجهة هذه الأزمات، والتأكيد على أن هناك أمورا غامضة لن ينجح فى كشفها وأنه لم يستطع تحقيق الأمن للمصريين.
وعلى المصريين الآن أن يختاروا بين الاستمرار فى الدفاع عن الثورة أو حدوث الانتكاسة، لأن نصف ثورة تعنى انتكاسة حقيقة لهذا البلد، ولابد أن يتنبهوا لهذه المؤمرات وأن يواجهوها جميعاً مسلمين ومسيحيين، مدنيين وعسكريين، ولابد أن نعى تماماً أن علينا أن ندفع الثمن غاليا من أجل انتصار إرادة هذا الشعب، ومن أجل نجاح الثورة، وأن نعى أيضاً أن الثمن لن يكون أغلى من حياة الشهداء الذين دفعوا الثمن من قبل، وندعو الله أن يوفق حكومة الدكتور شرف فى مواجهة هذه المؤامرات العابثة بأمن مصر، وأن تنجح فى إعادة الأمن لمصر سريعاً، وأن تكون قادرة على اتخاذ قرارات سريعة تحاسب بها كل المتآمرين ممن تسبب فى فزع المصريين وتهديدهم، وسرق أموالهم، وحاولوا أن يقدم مصلحتهم على مصلحة الوطن.