فوبيا العلاج.. لماذا نخاف؟ وكيف نتغلب على الخوف؟
إيمان فتاة ما زالت بالعقد الثالث من عمرها الوردي، لكنها تحوله بخوفها الشديد إلى خريف تسقط فيه زهرات شبابها اليوم تلو الآخر. تؤكد أن القلق يساورها دائماً من الإصابة بسرطان الثدي، ويعزز قلقها وخوفها ما تقرأه عن هذا المرض وتباشير ظهوره على المرأة، إذ تجد أن بعض ما تقرأ يظهر عليها فهي تعاني من إفرازات صفراء وسيئة الرائحة في ثديها.
حالة إيمان ليست حالة فريدة من نوعها، فهناك الكثير من النساء والرجال، كبار وصغار، لديهم فوبيا الخوف من العلاج، ومن المرض.. البعض منهم يخشى زيارة طبيب الأسنان لدرجة أنه يتحمل آلاماً مضاعفة عن ألم العلاج، والبعض يخشى من استخدام "الحقنة" خوفاً من وخز الإبرة، ومع ذلك يتحمل ألماً يعادل هذه الوخزة أضعافاً مضاعفة. والبعض الآخر لا ينام الليل قلقاً من إصابته بمرض سمع عنه يوماً ما.
تشير إيمان إلى أن خوفها من تأكيد إصابتها بالمرض عند الكشف لدى الطبيب تدفعها إلى البحث عن تطمينات أخرى، فتعمد إلى الفحص الذاتي، وحين لم تجد كتل تحت الإبط تطمئن قليلاً، وتبعد هواجس الإصابة بسرطان الثدي عنها، تقول:"أخشى الذهاب إلى الطبيب للكشف، وكلما عقدت العزم على الكشف أجد نفسي قد تراجعت مجدداً". وتتابع أن ما يقلقها من الكشف ما يترتب عليه من نتائج كالعلاج الكيمائي أو استئصال الثدي.
وتستكمل قائلة: "إن إحدى قريباتها قد أصيبت بالمرض، والآن تعاني الأمرين فهي كل فترة تخضع لفحوصات وتتناول جرعة علاج كيميائي".
وتضيف الفتاة التي بدا الذعر مرسوماً على ملامحها وتصرفاتها أن هواجسها النفسية حول إصابتها بالسرطان تجعلها إذا ما واجهت مادة إعلانية عبر شاشة التلفاز عن مرضى السرطان تجد عينها تدمع وبلا استئذان، وتتملكها نوبات الهلع والذعر الشديد، وتعمد إلى الهروب فتوجه مؤشر المحطات إلى قناة أخرى.
لماذا يخاف الناس؟
الأستاذة فايزة حلواني رئيس قسم الخدمة الاجتماعية ومنسق خدمات القسم الخيري بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز قالت عن مسببات فوبيا العلاج: "بأنها ترجع إلى الجهل، وعدم معرفة المرض، ومدى إمكانية علاجه ،وعدم توفر الإمكانات المادية للعلاج خاصة لدى غير السعوديين الذين لا يملكون المال الكافي للعلاج في المستشفيات الخاصة، و لا الصلاحيات للعلاج في المستشفيات الحكومية ".
وقالت: "عادة يتخوف الناس من المرض ولكن في حالات يتخوف الناس من العلاج؛ لأن بعض الأمراض علاجها مكلف ومتعب، ويحتاج لمدة طويلة، مثل: أمراض الدم الوراثية، وسرطان الدم، والكبد الوبائي، والفشل الكلوي.
وهناك بعض الأمراض المزمنة مثل السكر، حيث يبدأ تخوف المريض من استخدام أبر الأنسولين مدى الحياة، مع عدم انتظام السكر رغم كل الجهود المبذولة من قبل الطبيب والمريض للسيطرة على المرض.
وتضيف بالقول: "في بعض الحالات تصلنا شكاوى من المرضى بسبب قلة خبرة الطبيب في طريقة إيصال المعلومات عن المرض وعلاجه للمريض مما يسبب صدمة للمريض، وبعض الأطباء يتبعون المدرسة الكندية في التعامل مع المريض تبعا لقواعد ومبادئ معينة، والبعض الآخر من الأطباء يتبع المدرسة الأمريكية التي يعتمد فيها الطبيب على الأخصائي النفسي والاجتماعي في إخبار المريض عن حقيقة مرضه وعلاجه، ونحن بدورنا كأخصائيين نفسيين واجتماعيين نقوم بتوعية الأطباء بالطريقة المثلى للتعامل مع المريض بإنسانية ورحمة".
فوبيا العلاج والارتباط السلبي:
يقول خالد كمال الخبير النفسي: "حذرت بعض الدراسات النفسية من فوبيا العلاج وتأثيرها على المريض أو ما سماه علماء النفس الارتباط السلبي".
وأضاف اقترن في أذهان البعض معاناة المرضى، وبالتالي يتبادر في أذهانهم الشعور بالمعاناة والهلع والإحساس بالهوان لكونهم مرضى؛ لأنهم يشعرون أن المريض أين كان نوعه يرتبط بهذا الإحساس.
وذكر أن سبب هذا الإحساس هو ما يشعر به بعض المرضى من معاناة، وربما تدخل جراحي وأدوية تسبب ألاما ثم ينتج عنها الخوف من الموت، وكل هذا يصنع ارتباطا سلبيا بين المريض وأماكن التداوي والعلاج.
وذكر،أن المدهش في فوبيا العلاج أن الدراسات النفسية أثبتت أن الخوف المبالغ فيه من المرض يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمريض، من خلال التوتر والقلق الذي يضعف جهاز المناعة لديه، بينما العكس نجده عند بعض المرضى الذين يحتفظون بمعنويات مرتفعة في مواجهة المرض، ولا يشعرون باضطراب أو خوف فيؤدي ذلك لقوة جهازهم المناعي.
ولعلاج هذه الظاهرة يقول الخبير النفسي: "إن التقرب إلى الله والثقة بالله وعمق الإيمان، كل هذا يكون له تأثير إيجابي في علاج أي مرض والعكس صحيح".
وأنهى كلامه، أن هناك حالات مسجلة طبيا لأمراض وأورام خطيرة كان لا يرجى الشفاء منها، ولكن بمجرد انصراف تفكير المريض عن المرض واهتمامه بعمل الخير ومساعدة الآخرين فيكون لهذا أثر نفسي كبير في علاج أغلب الأمراض.
أسباب شخصية ومجتمعية:
يوضح د. أسامة حمدونة رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر أن سبب فوبيا العلاج لدى الكثير من الناس أن المريض غالباً ما يتوقع الأسوأ، فيعمد إلى عدم الذهاب إلى الطبيب، بالإضافة إلى التغذية الراجعة لدى المواطنين عن الطب في قطاع غزة والمجتمع العربي بشكل عام، بأن الأطباء غير أكفاء ولا يتمكنوا في كثير من الأحيان من التشخيص السليم للمرض، ولفت د. حمدونة أن تلك الأسباب غير مقنعة في ظل حالة الوعي التي من المفترض أن يكون عليها المواطن.
وأشار د. حمدونة إلى أن السرطانات وأمراض القلب من أكثر الأمراض التي يخشي الناس الإصابة بها، ويهلعون بشدة إذا ما لمسوا أعراضها على أجسادهم.
مؤكداً أنهم سرعان ما يتوقعون الأسوأ وينصرفون عن الذهاب إلى الطبيب للكشف الذي قد يساعدهم في العلاج المبكر والتعافي مما يعانون.
وأوضح د. حمدونة أن الأمراض النفسية أيضاً من الأمراض التي يواجهها الإنسان بالفوبيا، حيث يساوره الخجل من السمعة السيئة التي يوصم بها المرضى النفسيين في المجتمع وهي "الجنون".
وبيّن د. حمدونة في حديثه الخاص بـ " لها أون لاين " بعضاً من التدابير الطبية التي يمكن أن يتبعها الأطباء للحد من فوبيا العلاج لدى مرضاهم، أهمها: التوعية والإرشاد بالدرجة الأولى، ولفت إلى أن خجل الفتيات من الكشف عن أسباب ما يعانوه من أعراض مرتبط بنوع الشكوى. مؤكداً أنها إذا ما كانت مرتبطة بالنواحي ال*****ية، فهي لا تعمد إلى الكشف وتلجأ إلى البحث عن علاج في التجارب التي تمر عليها أحياناً.
مشدداً على أن ذلك يرتبط بنظرة المجتمع والفتاة تحديداً، وأضاف أن ذلك نابع من قلة الوعي لديهن، وأوضح د. حمدونة أن الفتاة بإمكانها حماية نفسها من أمراض كثيرة خاصة المتعلقة بسرطان الثدي، عن طريق الكشف المبكر.
لافتاً أنها يمكن تجاوز خجلها بالذهاب إلى طبيبة بدلاً من الذهاب إلى طبيب؛ فيكون الموقف أقل حدة، وأشار أن الخوف المطلق من الذهاب إلى الطبيب يتعلق بالنواحي النفسية لدى المريض، مما يستوجب من الطبيب التعامل مع تلك الحالة بتعامل نفسي تبدأ بإخضاعهم لجلسات إرشادية وتوعوية لإزالة الحاجز النفسي بين الطبيب والمريض.
لها أون لاين