مصممو الأزياء المخضرمون: لا يحسب العمر بالأرقام
أقصى ما يمكن أن يحلم به الإنسان هو أن يعمل في شبابه حتى يرتاح في كبره. وحتى إن لم يكن التقاعد في أجندته، فإن عمله حينها يكون مجرد هواية ومتعة لا يستهدف منها سوى إرضاء الذات. وهذا ما قاله المخضرم الإيطالي جيورجيو أرماني، بطريقة غير مباشرة، أول من أمس، من خلال تشكيلة يمكن أن توصف بـ«تشكيلة العجائب» لخروجها عن المألوف بالنسبة لمصمم اعتاد أن يخاطب النخبة والنجمات بالدرجة الأولى.
لكن على ما يبدو فهو من المصممين الذين يحققون أرباحا لا يستهان بها، ففي العام الماضي، سجل ارتفاعا في مبيعاته يقدر بـ45%، بفضل مشاريعه في الشرق الأوسط تحديدا، بالإضافة إلى توسعه في الأسواق النامية الأخرى. وهذا يعني أنه أصبح بإمكانه الآن أن يلعب بالموضة كيفما يشاء من دون أن يضع نصب عينيه الجانب التسويقي والتجاري. والحقيقة أنه كان من الصعب يوم الاثنين مضاهاة ما قدمته دار «ديور» من أزياء فخمة وضخمة كل ما فيها يصرخ بأنها «هوت كوتير» أولا وأخيرا، لكن من يعرف المصمم الإيطالي، يعرف أنه لا يقبل بأن يغلب عندما يتعلق الأمر بأزياء يسهل تسويقها للمرأة الغنية، وهذا ما كان متوقعا، إلا أنه سبح ضد التيار وحضر لنا مفاجأة من حيث الأسلوب والخطوط والألوان لم تكن تخطر على البال.
اختلافها لا يكمن في حرفيتها ولا في فنيتها أو رقيها، لكن في كونها تتجه إلى عالم مستقبلي، يستحضر أسلوب بيير كاردان في الستينات أو فيلم من أفلام الخيال المستقبلي، وهو مجال لم يخضه أرماني من قبل. المفاجأة أدهشت الجميع، بمن فيهم النجمات الحاضرات صوفيا لورين، جودي فوستر وأوليفيا وايلد. 3 أسماء تمثل 3 أجيال في دلالة واضحة على أن أسلوبه، كان حتى الأمس القريب، لا يعترف بسن، وينجح دائما في نيل إعجاب الجدات والحفيدات على حد سواء. لكن جودي فوستر، التي تحضر عرض أزياء لأول مرة، لخصت تشكيلته لربيع وصيف 2011 بقولها إنها «مسرحية، قوية، مستقبلية ورائعة»، لكن لا يمكن أن تلبسها.
من جهته، قال أرماني إنه استلهم تشكيلته من صندوق عجائب، يزخر بمجوهرات وأحجار كريمة تم جمعها من كل لون وصوب، وفي أرض الواقع، كانت النتيجة عبارة عن تشكيلة عجائب بلمعانها وبريقها، من الصعب أن تخاطب الزبونات المخضرمات من بنات جيله، وتحتاج إلى إقناع الشابات.
لم يبخل أرماني على أي قطعة بكم هائل من أحجار الكريستال والأحجار المتنوعة المقطعة على شكل ماسات لتزيين فساتين رشيقة ومحددة على الجسم مع تناثر تفاصيل على شكل طيات، مرة حول الخصر ومرة فوق الأكتاف، أو تايورات قصيرة يصل معظمها إلى الركبة مع سراويل ضيقة، تلونت هي الأخرى بدرجات معدنية مستقبلية. الأقمشة بدورها لم تسلم من هذه الصبغة المستقبلية. فالأورغنزا مثلا، اكتسبت انعكاسات ضوئية، بينما اختلطت خيوط الحرير مع المعادن لتسرق هي لنفسها بعض الضوء، بينما غطيت الإكسسوارات بالأحجار بما فيها كعوب الأحذية، فضلا عن أحمر الشفاه الذي غلب عليه لون الفوشيا وتدخل فيه ذرات لامعة.
أما عيون العارضات فكانت تختفي تارة تحت قبعات معدنية صممها البريطاني فيليب ترايسي خصيصا لتعزيز فكرة العرض المستقبلية، وأخذ بعضها شكل أطباق طائرة، وتارة أخرى تحت قناع خفيف ومرصع بالكريستال.
أما صباح يوم أمس، الثلاثاء، فكان الموعد المهم مع دار «شانيل» في مقرها الرئيسي بشارع «غامبون»، اقتصر العرض على عدد محدود من الضيوف لضيق المكان. أما الرسالة التي كتبها مصممها المخضرم، كارل لاغرفيلد، فهي أن العمر لا يحسب بالأرقام، بدليل أنه كلما كبر سنا زاد شبابا. هذا الشباب هو الذي انعكس على أسلوبه يوم أمس، مخاطبا به شريحة شابة، حيوية، تعرف كيف تنسق القطع المتنوعة مع بعضها، بغض النظر عن نوع أقمشتها. فمظهر واحد مثلا، جمع فيه جاكيتا قصيرا من التويد، مع تنورة مخلوطة بالتول وبنطلون ضيق من الجينز، بينما مزج في إطلالات أخرى فساتين ناعمة وتنورات قصيرة تبرق بآلاف الأحجار الصغيرة أيضا، مع بنطلونات جينز ضيقة.. وهكذا. وفي كل الحالات ترك الألوان تقوم بدور الرابط بينها.
استهل العرض بإلقاء تحية للمؤسسة، كوكو شانيل، من خلال مجموعة جاكيتات ومعاطف من التويد، طرز بعضها عند الأكتاف وبعضها الآخر من الأمام وغلب عليها اللونان الأبيض والأسود، انتقل بعدها مباشرة إلى التعبير عن أسلوبه بألوان الورد والسلمون والماس، الذي تجلى في تطريزات وترصيعات غطت الكثير من القطع بما فيها بعض البنطلونات الضيقة. مع تسارع إيقاع الموسيقى، توالت القطع المنفصلة وفساتين السهرة المتنوعة بين منسدل يستحضر الراحة والعملية التي تمنحها الجلابيب، وبين ضيق من الأسفل، قد يستدعي تلقي دروس من فتيات الغيشا اليابانيات لإتقان المشي فيها، لكن ينطبق عليها المثل القائل: «تعبها راحة».
المعروف عن لاغرفيلد أنه يحب التغيير ويتابع إيقاع العصر بعيون متفتحة وآذان مصغية، وبالتالي يدرك أن الشريحة التي يجب كسبها في صف الـ«هوت كوتير» تميل إلى الطبقات، كما أنها لا تتخلى عن الجينز، فلم لا يمنحه لها بأناقة راقية؟
فالظروف تغيرت، وبات من الضروري تغيير مفهوم الـ«هوت كوتير» لكي تناسب إيقاع العصر وتسارعه، أو فقط إعادته إلى زمن الآنسة كوكو شانيل عندما كانت هذه الأزياء الراقية لا تقتصر على مناسبات المساء والسهرة، بل تخدم المرأة في كل المناسبات والأوقات. وإذا كان التاريخ سيسجل اسم كارل لاغرفيلد في كتب الموضة، فسيكون لأنه نجح في حقن دار «شانيل» بجرعة عالية من العصرية تتزاوج بشكل رائع مع كلاسيكيتها وتاريخها، ويجعلها من أهم بيوت الأزياء حاليا.
الجمال