المخاوف الوهمية لدى الاطفال وعلاجها
المخاوف الوهمية أمر اعتيادي للاطفال … ففي سن الثالثة أو الرابعة ينشأ نوع جديد من المخاوف يتصل بالظلام والكلاب وآلات إطفاء الحريق والموت والمقعدين والمعوقين وما إلى ذلك، فمخيلة الطفل عند بلوغه هذا العمر، تكون قد تطورت بحيث أصبح يعي الأخطار المحدقة به، وإن فضوله يتشعب في جميع الاتجاهات، ولا يعود يكتفي بالسؤال عن أسباب هذا الشيء أو ذاك، بل يود أن يعلم ما هي صلة هذا الشيء به … إنه يسمع عن الموت، وبعد أن يستفسر عنه يسأل إذا كان سيموت هو أيضاً ذات يوم !!
وتكثر هذه المخاوف لدى الأطفال الذين اضطربت أعصابهم فيما مضى بسبب التغذية والتدرب على المرحاض وما أشبه ذلك، أو الذين استثيرت مخيلاتهم بالحكايات المخيفة أو الانذارات المتعددة، أو الذين لم يمنحوا فرصة لإنماء شخصياتهم، أو الذين أفرط والداهم في حمايتهم .
ويبدو أن الاضطرابات السابقة المتراكمة تتبلور الآن في مخيلة الطفل على شكل مخاوف واضحة، ولا أعني بهذا أن كل طفل يشكو من الخوف قد أسيئت معاملته فيما مضى، وفي ظني أن بعض الأطفال يأتون إلى هذه الدنيا بأحاسيس مرهفة أكثر من بعضهم الآخر، وإن جميع الأطفال معرضون للخوف من شيء ما، مهما كانت درجة العناية بهم.
فإذا كان طفلك يخشى الظلمة، حاولي طمأنته بالأعمال لا بالأقوال, لا تهزئي به أو تغضبي عليه أو تجادليه بهذا الشأن, دعيه يتحدث عن مخاوفه إذا شاء، وحاولي إقناعه بأنك متأكدة من أنه لن يصاب بأي سوء ما دمت تحيطينه برعايتك وحمايتك، ولا يجوز بالطبع أن تهددي طفلك برجال الشرطة والشياطين وما إليهم، أبعديه عن مشاهدة الأفلام المخيفة، وعن سماع قصص الجن، ولا تستمري في صراعك معه حول شؤون التغذية أو التبويل في الفراش، وجهيه إلى التصرف بشكل سليم منذ البداية بدلاً من أن تدعيه يتصرف حسب هواه، فتضطري عندئذ إلى تقويم اعوجاجه. ابحثي له عن أصحاب يلاعبونه كل يوم، لا تغلقي باب غرفته أثناء الليل– وإذا شئت اضيئي غرفته بنور خافت تبديداً للظلام.
واعلمي أنه على الأرجح سيطرح أسئلة عن الموت عند بلوغه هذا العمر، فاستعدي لذلك بأجوبة تبدد مخاوفة الآنية، كأن تقولي له بأن كل انسان سيموت عندما يشيخ ويصبح مرهقاً وعاجزاً، ويفقد الرغبة في الحياة، أو إن الانسان عندما يصاب بمرض عضال يأخذه الله ليعتني به، احتضنيه والعبي معه، وطمئنيه إلى إنكما ستقضيان سنوات عديدة سوية.
إن الخوف من الحيوانات أمر اعتيادي لدى الأطفال في مثل هذا العمر, لا تحاولي تقريبه من كلب أو حيوان أليف لتبعثي الطمأنينة في نفسه، فخوفه من الحيوانات سيتبدد تلقائياً مع مرور الوقت، ويصح القول نفسه في الخوف من الماء، لا ترغمي طفلك على النزول في حوض من الماء إذا كان ذلك يخيفه، هذا النوع من الخوف يزول أيضاً مع مرور الوقت.
ويكافح الطفل بطبيعته هذه المخاوف باللجوء إلى ألعاب تتصل بها، فالخوف لدى الانسان يحمله على القيام بعمل ما لتبديد ذلك الخوف، وإن مادة “الأدرينالين” التي يفرزها الجسم عند الخوف تزيد من دقات القلب، وتولد السكر اللازم لزيادة الحركة فيندفع الانسان في جريه كالريح، أو يقاتل كأشرس الحيوانات — إن النشاط يبدد الخوف أما القعود فيلهبه، فإذا كان طفلك يخشى الكلاب، دعيه يسدد لكلمات من قبضة يده إلى دمية تمثل كلباً فيعيد ذلك شيئاً من الاطمئنان إلى نفسه.
الخوف من الأذى .. فالطفل في هذا العمر، يود أن يعلم سبب كل شيء، وينزعج بسهولة، ويتخيل أن الأخطار التي يشاهدها ستدهمه، فإذا شاهد رجلاً كسيحاً أو مشوهاً، يود أولاً أن يعلم ماذا أصابه، ثم يروح يتساءل عما إذا كان سيصاب هو أيضاً بالأذى نفسه, ولا يضطرب الأطفال من رؤية الإصابات الحقيقية فحسب، بل يضطربون أيضاً للاختلافات الطبيعية بين الذكر والأنثى، فإذا شاهد صبي بنتاً عارية، يعجب لفقدانها القضيب، ويسأل عما حل به، فإذا لم يتلق جواباً مقنعاً في الحال، يستنتج أن مصيبة ما حلت بقضيبها، ثم يروح يتساءل عما إذا كان سيصيبه ما أصابها, وتقع البنت في الحيرة نفسها إذا شاهدت صبياً عارياً، وتروح تسأل بقلق عن قضيبها وما حل به، ولا يجوز أن تتجاهلي أسئلة كهذه أو تحاولي منع الطفل من طرحها، لأن ذلك يزيد من مخاوفه ويحمل الأنثى على الاعتقاد بأن مصيبة ما حلت بقضيبها، ويجعل الذكر يتخيل بأن الخطر نفسه يتهدده هو أيضاً.
وينبغي الإجابة عن هذا السؤال بأن الطبيعة شاءت أن يختلف الذكور عن الإناث في التكوين، وإن الصبي يشبه أباه والبنت تشبه أمها، وإن كليهما سيكون سعيداً في المستقبل بتكوينه الخاص.
نقلا عن رجيم