التشكيلي مصطفى مفتاح.. مشاهد من الغموض والدهشة
سرب من الطيور يحلق في سماء نيودلهي .. ورقة شجر ملقاة على الطريق في إحدى شوارع لندن .. شاطىء هادىء من بورسعيد، أما السحب فمن الممكن أن تكون من أي عاصمة أو مدينة أخرى.
كل هذه العناصر تجتمع معا لتؤلف مشهدا جديدا يتسم بالحبكة والغموض والدهشة، نجح الفنان المصري مصطفى مفتاح في تحقيقه عبر أعماله الفوتوغرافية المعروضة حاليا في أتيليه القاهرة والتي يستمر عرضها حتى منتصف هذا الشهر.
والفنان مصطفى مفتاح هو مصور وموسيقي ومصمم جرافيكي وفوتوجرافي، شارك بأعماله في عدد من المعارض الفردية والجماعية، وبدأ تجربته مع الفوتوغرافيا فور تخرجه من الفنون الجميلة عام 1977كأحد الأدوات المساعدة في أعماله التي كان يرسمها، إلا أنه سرعان ما وقع في عشقها وصارت تمثل الجانب الأكبر من إبداعه.
الأعمال المعروضة تمّت معالجتها بواسطة برامج الجرافيك، وهي الطريقة التي إختارها ليقدّم نفسه للجمهور بعد غياب سنوات عن قاعات العرض . أراد مفتاح أن يقدّم شيئا مثيرا ومدهشا لعين المشاهد، فلجأ إلى هذا الأسلوب في التوليف بين العناصر المختلفة ليقدم مشهدا جديدا يتسم بالغرائبية أو السريالية، فضلا عما يحمله من دلالات ومعاني مختلفة، وإن كان هو يرجح كفة الجمال والمتعة البصرية كهدف أولى وأساسي في تلك الأعمال التي يعرضها.
وهو يقول معلقا:" أول ما يشغل بالي حين أعمل هو أن أصنع شيئا جميلا ومدهشا. ذلك هو الأمر الذي يشغلني دائما . لا يعنيني المعنى من وراء الصورة أو الرمز والدلالة بقدر ما يعنيني قدرة هذه الصورة على نيل إعجاب المشاهد بجمالها أو غرابتها .. أنا أحاول فقط أن أصنع صورا جميلة تشعر بالسعادة حين تراها، وهذا هو الهدف الأصلي للفن منذ فجر التاريخ، أيا كان هذا الفن أو الإبداع مرئيا أو مسموعا أو مقروءا.
ويضيف الفنان قائلا :"ما يهمني هنا أن يكون الجمال هو المسيطر على العمل، وبعد ذلك تأتي الفكرة، وكوني أصنع الدهشة على ملامح المتلقي فهذا يعدّ نجاحا في حدّ ذاته، وقيمة ينبغي أن تحترم، والصور التي أقدّمها هنا بها شيء من الغرابة، ولكن هل هي غرابة منفرة أم مقبولة، هذا هو المحك؟"
ويقول أيضا:"من الممكن أن يجذبك هذا الجمال أو تلك الدهشة إلى أشياء أخرى، ولكن مهما كانت أهمية هذه الأشياء فأنا أعتبرها ثانوية وتأتي في مرتبة تالية للمفهوم الأول . فالفن ليس له سوى مكانين إثنين إما المتحف أو سلة المهملات . وهي مقولة سمعتها من أستاذي في الفنون الجميلة عز الدين حمودة وأؤمن بها وأصدقها.
فالفن الذي تمّ صناعته عبر التاريخ كان يعني في الأساس بالجمال .. كان كذلك في عهد الفراعنة، وفي عهد الرومان والإغريق، واستمر هكذا حتى بداية القرن العشرين، إلى أن ظهرت مستجدات أخرى حوّلت من مساره إلى مناحي مختلفة عن هذا المفهوم.
ولقد راجت خلال العقود الماضية مصطلحات كثيرة منها على سبيل المثال ما يعرف بالفن المفاهيمي وهو ما يمكن أن تندرج تحته هذه الأعمال، وللأسف الشديد هناك الكثير ممن يقدمون أعمالهم تحت هذا المسمى ويفتقدون إلى العمق والفهم الحقيقي لهذا المصطلح، فالفن المفاهيمي حسب رأيي يقتضي من الفنان أن يكون مثقفا، بالمعنى الحقيقي، بمعنى أن يكون لديه مفهوم خاص به عن الحياة والمجتمع استطاع بناءه وفقا لمعرفته وثقافته الذاتية، ويحاول أن يقدّمه إلى الناس من خلال عمله."
معظم العناصر الموجودة داخل الأعمال التي يقدمها الفنان مصطفى مفتاح هي من تصويره، خاصة أن لديه اهتمام خاص كما يقول بتصوير العناصر المفردة والتي يقوم بعد ذلك بالتوليف فيما بينها، وهو لديه مخزون شخصي من هذه العناصر التي قام بتصويرها وجمعها من أماكن عدة حول العالم.
غير أنه في بعض الأحيان يلجأ إلى صور قد لا تكون متوفرة لديه، وهي صور مباح استخدامها وتداولها، لكنه في الغالب لا يلجأ إلى هذا الأمر إلا في أضيق الحدود . وهو يحاول قدر الإمكان ألا يتعامل مع عناصر محلية تخصّ الثقافة المصرية أو العربية فقط، بل يحرص على أن تتضمن أعماله عناصر يمكن فهمها في كل الثقافات وتمثل لغة مشتركة للبشر جميعا.