نقلا عن : http://www.lahaonline.com/articles/view/37425.htm
هل تريدين أن تصلي إلى القمة؟
وهل تريدين أن تكوني من المتميزات في الدنيا بين الناس، وفي الآخرة عند الله عز وجل؟ وفي الجنة تصلي إلى الفردوس الأعلى؟
إذا أردت ذلك فهيا بنا نعرف كيفية ذلك، وما الوسائل العملية التي توصلنا إلى التميز والقمة.
ولكن لنعرف أولا ما هو التميز؟
التميز هو التفوق الإيجابي في الحياة الشخصية والعملية، بما يجعل الإنسان متقدما ومتطورا عن غيره من الناس، وكلنا يسعى للتميز والطريق إلى التميز ليس مستحيلا أو صعبا، بل الطريق إلى التميز سهل وفي متناول الجميع، ولكنه يحتاج إلى بعض العزيمة القوية والصبر.
وأنا اليوم أدعو كل مسلمة للتميز والتقدم؛ لأنها هي حجر الزاوية في المجتمع الذي تعيش فيه، فهي الأم والبنت والزوجة والأخت، وهي نصف المجتمع وتقوم بتربية النصف الثاني؛ فهي المجتمع كله؛ لذلك كانت المرأة المسلمة هي محط أنظار أعداء الإسلام، فأصبحوا لا يتورعون ولا يبخلون بأي جهد في سبيل هدم المجتمع المسلم، وذلك عن طريق إفساد المرأة المسلمة.
فمن واجبي أختي المسلمة أن أحذرك وأنصحك، أحذرك مما يدبر لك في الخفاء؛ لإبعادك عن دينك وعن هويتك المسلمة. وأنصحك بأن تكوني الأقوى والأفضل في مواجهة ما يدبر لك؛ لذلك أردت لك أن تكون مسلمة متميزة في الدنيا وفي الآخرة؛ وذلك عن طريق التربية الذاتية.
فما التربية الذاتية؟
هي تربية الفرد لنفسه من خلال أعمال ووسائل يحددها لنفسه؛ لكي يرتقي بنفسه، ويتحول من شخص يعتمد على غيره في تربية نفسه، إلى شخص راق ومتطور ويقوم هو بتربية نفسه بنفسه، وذلك بأن تقوم المسلمة بمعرفة وتحديد عيوبها وسلبياتها تحديدا دقيقا، وتقوم بتحويل هذه العيوب إلى صفات حميدة، وتحويل السلبيات إلى إيجابيات؛ حتى تستطيع العيش في أمن واستقرار وقرب من الله عز وجل .
وحتى لا تكون ممن قال عنهم الإمام ابن القيم رحمه الله (فلا يزال في حضيض طبعه محبوسًا، وقد سأم نفسه مع الأغنام راعيًا مع الهمل، استطاب لُقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل).
الوسائل العملية للتربية الذاتية:
1- تحديد الأهداف:
قليل من النساء من تخطط لحياتها في الدنيا، وتضع لها أهدافا وتسعى لتحقيقها.
فلماذا لا تخطط الفتاة لحياتها وتضع لها أهدافا و وسائل، وتسعى لتحقيقها؟
ولماذا لا تكون الفتاة عندها همة عالية في حياتها وتسعى للتميز؟
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله (النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلاّ بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار).
لماذا نرضى بالدونية في حياتنا؟ لماذا لا نتطلع إلى معالي الأمور؟ فإن (الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها)، كما جاء في الأثر.
ويجب أن تعلمي عزيزتي القارئة إننا لن نشعر بلذة الحياة وجمالها، ولن نصل إلى ما نطمح إليه؛ إلا إذا كانت لدينا نفوسا صافية حية بقربها من الله عز وجل.
ونفس طموحة تتطلع دائما إلى العلا والرقي والتمكين في الأرض وذلك كما قال الشيخ حسن البنا رحمه الله:"نفوس حية قوية فتية، وقلوب جديدة خفاقة، ومشاعر غيورة متأججة، وأرواح طموحة متطلعة متوثبة، تتخيل مثلا عليا، وأهدافا سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل".
إن وضع الأهداف وتحديد الأولويات مع تنظيم الوقت له من الأثر العظيم على تربية الإنسان الإيمانية.
وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تحثنا على الطموح وتحديد الأهداف منها قوله تعالى: "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا به مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ"(البقرة 25). فإن الله عز وجل في هذه الآية يحثنا على أن يكون هدفنا في الحياة هو الوصول إلى الجنة؛ لننال نعيمها ورزقها والخلود فيها.
وقوله تعالى: "وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"(آل عمران 133)، وفي هذه الآية فإن الله عز وجل يعلمنا أن يكون لنا أهداف صغيرة توصلنا إلى الهدف الأكبر (الجنة)، وهو أن نصل إلى درجة المتقين، وجاء عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :«إِنَّ فِي الْجَنَّة مِئَة دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، بَينَ الدَّرَجَتَينِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأرضِ، فَإِذَا سَأَلْتُم الله فَاسَأُلوُه الْفِردَوسَ فَهُوَ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ الْعَرش وَمِنهُ تُفَجَّرُ انْهَار الْجَنَّة» (رواه البخاري) ، هكذا حثنا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لنكون من أصحاب الهمم العالية ونكون طموحين ولنا أهداف نسعى لتحقيقها.
2- خير الكتب:
إن القرآن الكريم هو من أفضل الكتب، ومن أهم المعينات للوصول للتربية الذاتية؛ لأنه ليس فقط كتاب دين أو كتاب فقه أو منهج أو تلاوة. إنه كتاب جامع معجز جمع كل صنوف العلم، وكل أشكال الحكمة، وكل دروب الأخلاق والمثـل العليا، وكذلك كل تصانيف الأدب، وكما قال تعالى في سورة الأنعام:"ما فرطنا في الكتاب من شئ" الآية38.
عَنْ علي رضي الله عنه قال: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ. فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، و هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا:" إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ" مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "رواه الترمذي(1).
فالقرآن الكريم أنزله الله عز وجل ليكون شريعة ومنهج حياة، فقد نزل ليعالج كل مشاكل الحياة النفسية والروحية والاقتصادية والسياسية والعلمية وسائر نواحي الحياة؛ لذلك ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة والصحابيات الكرام رضوان الله عليهم على القرآن الكريم، فكان له من الأثر العظيم على نفوسهم وأرواحهم وحياتهم، فكانوا خير فئة من البشر الذين ترجموا القرآن من القراءة والتلاوة، إلى العمل والمعاملات، فكان ذلك سببا في نشر الإسلام في الأرض، وليس كما يقولون: إن الإسلام انتشر بحد السيف"، فقد انتشر الإسلام بالمعاملات الحسنة والتربية الصحيحة التي تربى الصحابة عليها، لذلك على كل من تطمح إلى تربية نفسها تربية صحيحة فلترجع إلى القرآن لتربي نفسها عليه.
قال كعب الأحبار: "عليكم بالقرآن, فإنه فهم للعقل, ونور الحكمة, وأحدث الكتب عهداً بالرحمن, ولعظيم ما فيه من البركات كان تلاوته واستماعه من أعظم القربات, والاشتغال بتعلمه وتعليمه من أسمى الطاعات, وكان لأهله أعلى الدرجات وأوفى الكرامات".
وقد حدد العلماء العديد من الفوائد التي يحصلها الفرد من خلال قرأته للقرآن منها:
تدعو له الملائكة الكرام بالرحمة و المغفرة.
ويعد من أهل الله و خاصته المتضرعين إليه.
ويجد في نفسه قبسا من النبوة، غير أنه لا يوحى إليه.
ويمتلئ قلبه بالخشوع، ونفسه بالصفاء.
يرتفع درجات في الدنيا أيضا، إذ يرفع الله به أقواما، و يخفض به آخرين ممن أعرضوا عنه و هجروه.
يضئ الله –تعالى – قلبه، ويقيه ظلمات يوم القيامة، لا يحزنه الفزع الأكبر لأنه في حماية الله؛ ولأن القرآن يشفع له.