قبل ان يرحل رمضان هيا اغتنم الفرصة
دع البكاء على الأطلالوالدار
واذكر لمن بات من خل ومن جار
وذر الدموع نحيباً وابك منأسف
على فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ماجعلت
إلا لتمحيص آثاموأوزار
يالائمي في البكاء زدني به كلفاً
واسمع غريب أحاديث وأخبار
ما كانأحسننا والشمل مجتمع
منا المصلي ومنا القانتالقاري
وداعاً يا شهر رمضان ! وداعاً يا شهر الخيرات والإحسان ! وداعاً يا ضيفنا الراحل !
مضى كثيرك ولم يبق بين أيدينا منك إلا أيام قلائل ،عشر تجاورنا اليوم وهي إلى الرحيل أقرب من البقاء ، ولئن قال ابن رجب في لطائفه عندالفراق : ياشهر رمضان ترفّق ، دموع المحبين تدفّق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقّق . عسى وقفة للوداع تطفيء من نار الشوق ما أحرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيامماتخرّق ، عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يُطلق ، عسى مناستوجب النار يُعتق . اهـ فما أحرانا بتدبّر قوله ، وفعل يطفيء حرارة الوداع.
أيها الشباب قبل أن تُشيعوا ضيفكمالميمون عودوا إلى أنفسكم حفظكم الله وتأملوا ماذا قدّمتم بين يديه ؟ وما هيالأسرار التي بينكم وبين ربكم في أيام شهركم وسيرحل بها رمضان ؟
هاتفني شاب في رمضان بعد سماع إحدىالمواعظ وحدثني في الهاتف حديث طويل أذكر من قوله : أشعر من حديثكم أنكم تشعرونبفقد الشهر ، وتتحسّرون على فوات أيامه ؟ فلماذا أنا لا أشعر بذلك ؟
وبعد حديث طويل عن سر فقد الفرحة في قلب من يحاورني قال لي : عفواً أخي في شهر رمضان أسررت المعصية ، وتجاهلت الطاعة ، وكمهي المرات التي لا أشهد فيها صلاة التراويح ،وإن شهدتها فصورة بلامعنى ، وحركات بلا روح ، القرآن عهدي به من زمن بعيد ، وقد حاولت أن أمد يدي إليهمع جملة الذاكرين لكن نفسي حبستني عن الاستمرار وهاأنا لا زلت في بدايته إلى اليوم .
أما المعصية فتدفعي لها نفسي دفعاً حتى أنني واقعتأنواعاً من المعاصي مراراً في شهر رمضانفعيني تخطّت ستار المعروفواجتالت في حرمات الله تعالى ، وأذني أبت إلا أن تتجاوز حدها الشرعي فانتهكت ماحرمالله ، ونفسي التي بين جنبيّ جاهدتها كثيراً فكابرت ومانعت واستعصت علىّ ، بل مازالت بي حتى أوقعتني في الفاحشة .....
ومازال يحدّث حتىانهار باكياً، واستعبر أمامي في البكاء ، وأخذ يرددأثناء حديثهأخشى أن لا أكون ممن غفر الله لهم،أو تقبّل منهم ،أخشى أن يختم الله لي بخاتمة السوء! فأصبح أسير أحزاني ! أنا لست وحيداً في طريق اليأس فكثير من الشبابأمثالي ، فما زلت به أخفف عنه هذه الآلام حتى عاد يسمع حديثي من جديد فقلت له أخيالشاب لازال في الأمل فسحة ، وفي الوقت بقية ، والعبرة بالخواتيم .
وأنا وإياك نشهد هذه العشر المباركة فهل يمكن أن تضع يدي في يدكوتعاهدني على المسير فقال أي والله مسير يعيد لي الفرحة والبسمة في حياتي من جديدلم لا أقبل به ؟ ولما لا أعيشه وقد عشت كل معاني الحرمان في المعصية والدأب عليها ؟فقلت له أقبل حفظك الله إلى حديث ، أرعني سمعك ، وجُد علىّ بشيء من وقتك فعندي سرالسعادة التي تنتظرها ، عندي لك قول الله تعالى: { قلياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن اللهيغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}
دواء للمنكسرين من أمثالك لكن بشرطها الوحيد : التوبة الصادقة التيرأيت من آثارها أثر الدموع بين عينيك.
وعندي لك قول رسولكصلى الله عليه وسلم : « لله اشد فرحاً بتوبة عبده عبده حينيتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابهفأيس منها ، فأتى شجرة قاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هوبها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأمن شدة الفرح »متفق عليه من حديث أنس .
إذاً لم يبق عليك حفظك الله إلا الإقبال على ما بقي من شهرك إذ هذهالأيام هي الخاتمة ، وهي سر الشهر ، وأفضل أيامه على الإطلاق ، فهذا رسول الله صلىالله عليه وسلم تقول عنه عائشة رضي الله عنها : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذادخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجدّ ، وشد المئزر » ولك في رسول الله صلىالله عليه وسلم أسوة حسنة .
هذه الليلة العظيمة التي قالفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفرله ماتقدم من ذنبه » متفق عليه من حديث أبي هريرة .
وقد أخبر الله عن هذهالليلة أنها خير من ألف شهر في كتابه المبين فقال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ماليلة القدر . ليلة القدرخير من ألف شهر }
وأخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنهذه الليلة في ليالي العشر حين قال صلى الله عليه وسلم : « تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»
أقبل على عشر رمضانحفظك اللهبكل جهدك وقوتك واحرص على أن يكون ختام شهرك ختاماً حياً مباركاً ،تزوّّد فيها بالطاعات، احرص على الفريضة مع الإمام والله الله أنيشهد الله عليك أو حتى أحد من خلقه تخلُفاً عن الجماعة بنوم أو كسل ، إلزم النافلةالقبلية والبعدية ، واحرص على أداء صلاة التراويح والقيام مع جموع المسلمين ، ولازم فيها دعاء : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني فهي وصية رسول الله صلى الله عليهوسلم لأم المؤمنين . أكثر من قراءة القرآن ، ونوّّع في القراء مابين حدر وترتيل ،ولتكن عنايتك بالتدبّر لآيات القران الكريم فإن في ذلك خير كثير . قم برعايتكوالديك وقبّل رأسهما كل مساء ، والزمهما بالطاعة والبر فإن ذلك من أعظم فرص استغلالشهر رمضان .
صل أرحامك ، وتعاهد جيرانك فإن ذلك من خلق المسلم .
وإنني إذ أدعوك إلى التمعّّّن في هذه الأحاديث إنماأدعوك للتحرر من الكسل واستقبال الآخرة ، والإقبال على عشر رمضان الأخيةر ففيهابإذن الله تعالى سر السعادة المرتقبة التي تبحث عنها ، وإنما حين أقرر لك أن هذا هوطريق السعادة آمل منك أن تجرّب هذا الطريق ولن تجد أجمل منه ولا أسعد على وجه هذهالحياة ، وهؤلاء الذين تراهم في مجتمعك تبرق أسارير وجوههم يالاستقامة هم كانوا مثلما أنت فيه الآن من الحيرة والاضطراب ، والهم والغم ، وخاضوا هذه التجربة في بدايةحياتهم وحينما وجدوا المفقود والسر الغائب في حياتهم قرروا التوبة ، وهم اليوم وكليوم يرددون قول القائل : والله إنها لتمر بي ساعات يرقص فيها القلب فرحاً من ذكرالله.
ويلهجون بقول الله تعالى : { قلبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} وفقك اللهوسدد خطاك وعلى طريق الخير بإذن الله تعالى نلقاك