قصة ملحمة عسكرية مصرية وأردنية عبرت "النكسة" وانتقمت للعرب
نقلا عن : محيط محيط - جهان مصطفى
كثيرة هي الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين ، إلا أن حرب 5 يونيو 1967 تظل هي الأسوأ بالنظر إلى تداعياتها الخطيرة التي مازال العالم العربي يئن تحت صدمتها .
ففي تلك الحرب وخلال ستة أيام فقط ، احتلت إسرائيل من الأراضي العربية ما فاق أحلامها ، ولذا فإن مصطلح النكسة الذي أطلق على هزيمة العرب لا يكفي للتعبير عن بشاعة ما حدث لولا ما خلفته من آثار في نفس كل مصري وعربي أدت على الفور إلى إعادة تنظيم الخطط العسكرية العربية وتوجت بمعركة الكرامة وحرب الاستنزاف وأخيرا النصر المؤزر في السادس من أكتوبر 1973 .
صحيح أنه لم يتم بعد تحرير بقية الأراضي العربية المحتلة في عام 1967 ، إلا أن الذكرى الـ 44 للنكسة جاءت هذا العام في ظل تغيرات جوهرية في المنطقة من شأنها أن تربك حسابات إسرائيل تماما خاصة وأن الأمر تجاوز دعوات رد الاعتبار التي ظهرت بعد هزيمة 5 يونيو إلى ثورات شعبية تسعى للديمقراطية والكرامة والعدالة والتخلص تماما من كافة أشكال الاستبداد والاستعمار .
ولعل ما حدث مباشرة في فترة ما بعد النكسة يدعم بقوة نظرة التفاؤل حول نجاح تلك الثورات في تحقيق مبتغاها في نهاية المطاف ، حيث نجحت الشعوب العربية في عام 1967 في امتصاص الصدمة سريعا ودحض ادعاءات إسرائيل حول أنها تحولت إلى جثة هامدة بعد الهزيمة وسرعان ما استطاع الأردن رد الاعتبار في معركة الكرامة ومصر في حرب الاستنزاف وبعدها حرب أكتوبر .
فمعروف أنه بعد قرابة العام وتحديدا في 21 مارس 1968 ، قامت معركة الكرامة التي صد خلالها الجيش الأردني والفدائيون الفلسطينيون عدوانا إسرائيليا جديدا على الضفة الشرقية لنهر الأردن وسجلوا حينئذ ما اعتبر أول نصر عربي على الجيش الإسرائيلي ، كما نجحت القوات المصرية في إلحاق خسائر فادحة بالاحتلال عبر معركة رأس العش وتدمير المدمرة إيلات والتى كانت بدايات لحرب الاستنزاف.
معركة الكرامةوبالنسبة لمعركة الكرامة ، فإن احتلال إسرائيل للضفة الغربية من نهر الأردن عام 1967 والتي كانت خاضعة حينذاك لحكم المملكة الأردنية الهاشمية قوبل بردود فعل تمثلت في صدامات عسكرية متكررة بين وحدات صغيرة من الجانبين على طول نهر الأردن، بالإضافة إلى تزايد هجمات الفدائيين الفلسطينيين الذين تمركزوا في الضفة الشرقية لنهر الأردن.
وفي مطلع عام 1968 صدرت عدة تصريحات رسمية عن إسرائيل تعلن أنه إذا استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر النهر فإنها ستقرر إجراء عمل مضاد مناسب ، وفي الفترة من 15-18 مارس 1968 تزايدت طلعات الاستكشاف الجوية الإسرائيلية فوق نهر الأردن كما تسللت دوريات إسرائيلية عبر النهر باتجاه الضفة الشرقية.
وفي 21 مارس 1968 ، بدأت معركة الكرامة التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى أن المعارك التي دارت بين الفدائيين والجيش الأردني من ناحية والقوات الإسرائيلية المهاجمة من ناحية أخرى كانت في رقعة جغرافية مركزها منطقة الكرامة بتلالها المطلة على نهر الأردن ، حيث قدر عدد الفدائيين في المنطقة بحوالي 300 مقاتل فلسطيني، وكان بجانبهم عدد من المواقع للجيش الأردني ومدفعيته الثقيلة والتي لعبت دوراً كبيراً في تكبيد إسرائيل خسائر فادحة .
ورغم أن إسرائيل ادعت أن الهجوم الواسع الذي بدأته على الضفة الشرقية لنهر الأردن في منطقة الكرامة كان بحجة تدمير قوة الفدائيين ، إلا أنها كانت تخطط إلى احتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها، ومحاولة إيجاد ولو موضع قدم على أرض شرقي نهر الأردن بقصد المساومة عليها لتحقيق أهدافها وتوسيع حدودها ، وضمان الأمن والهدوء على خط وقف إطلاق النار مع الأردن ، وتوجيه ضربات قوية ومؤثرة إلى الجيش الأردنى ، وأخيرا ، زعزعة الروح المعنوية والصمود عند السكان المدنيين وإرغامهم على النزوح من أراضيهم ليشكلوا أعباء جديدة، وحرمان المقاومة من وجود قواعد لها بين السكان وبالتالي المحافظة على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي بعد المكاسب التي حققها على الجبهات العربية في عدوان 5 يونيو .
إحباط مخططات إسرائيلإسرائيل فشلت في تحقيق أي من الأهداف السابقة ، حيث لعب سلاح المدفعية الأردني وقناصو الدروع دوراً كبيراً في معركة الكرامة وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أية قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه وذلك نظراً لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة وساهم ذلك بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهل التعامل معها واستيعابها وتدميرها .
وما يؤكد هزيمة إسرائيل في تلك المعركة أن القوات الإسرائيلية التي نجحت في عبور جسر الملك حسين إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن كانت بحجم فرقة وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقى النهر بالرغم من محاولتها المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت .
لقد كسب الجيش الأردنى بحسب المحللين العسكريين مفاجأة إطلاق النار الكثيف عند بدء الهجوم من القوات الإسرائيلية ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها .
انتصار عسكري أردنيولعل إلقاء نظرة على خسائر الجانبين من شأنها أن توضح أكثر وأكثر حجم الهزيمة الموجعة التي تلقتها إسرائيل ، حيث بلغ عدد القتلى في صفوف قواتها المهاجمة 250 جندياً ، و450 جريحاً ، بالإضافة إلى تدمير 88 آلية وهي عبارة عن 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن ، أما بالنسبة لخسائر القوات المسلحة الأردنية ، فكان عدد القتلى 61 جندياً ، و108 جرحى ، وتدمير 39 آلية مختلفة .
وأمام تلك الخسائر المحدودة في صفوف القوات الأردنية ، سجلت معركة الكرامة بأحرف من نور في إنجازات العسكرية العربية بل واعتبرت أول نصر عسكري عربي على إسرائيل منذ نكبة 1948 ، وترتب عليها أيضا استرجاع الأردن لأراض احتلت في حرب 1967 ، كما رفعت من معنويات الجبهات العربية الأخرى ، وأكدت بما لايدع مجالا للشك أن الإرادة والتصميم يمثلان جزءا لا يتجزأ من النصر على الأعداء.
ويرى الكاتب الفلسطيني زياد أبو شاويش أن الملمح الرئيس في تلك المعركة كان هو الشراكة الفلسطينية الأردنية الصادقة والحقيقية في مواجهة عدو واحد للطرفين، قائلا :" هذا الملمح وهذه الظاهرة أرست في حينه أهمية العمل الفدائي والمساندة النظامية في نفس الوقت وأظهرت كم هو مفيد وضروري للانتصار تجميع كل قوانا سواء من قوات مغاوير أو جيش نظامي بمدفعيته ودباباته وأسلحته الثقيلة وقتاله الكلاسيكي مع مجموعات فدائيين منتشرة بشكل مجموعات صغيرة وتستخدم تكتيكات الدفاع المتحرك والمواقع غير الثابتة، هذا المظهر الذي كان الأكثر إشراقاً ولا يزال في عنوان التضامن والتعاون بين المقاومة والجيش النظامي لم يتكرر بنفس الطريقة للآن برغم أهميته ونجاعته في مواجهة عدو متفوق".
واستطرد يقول :" من يتصور معركة تتلاقى فيها القوات الإسرائيلية التي تم إنزالها في المنطقة والمقاتلين الفلسطينيين المتحصنين في الجبال والخنادق التي توفرها طبيعة المنطقة مع قيام المدفعية الأردنية بالقصف المتواصل على القوات الزاحفة من الغرب وكذلك على المواقع المتمركزة غرب النهر كقوات مساندة ، يستطيع أن يفهم لماذا كان دور الجيش الأردني ضروري ولاغنى عنه كما دور المقاومة التي تصدت بشكل مباشر للعدوان وأوقعت خسائر فادحة بقوات العدو ودحضت الدعاية الصهيونية في تلك الفترة حول الأسطورة التي لا تلحق بها الخسارة والتي نجحت في احتلال أراضي ثلاث دول عربية في أقل من 6 أيام ".
لقد كانت معركة الكرامة نصراً مزدوجاً، في وجهه الأول كان انتصار للتضامن والتعاون بين الجيش والمقاومة، وهو الدرس الذي لازال العرب في حاجة ماسة لترسيخه والاستفادة منه في أية معارك قادمة مع العدو الإسرائيلي ، وفي وجهه الآخر كان انتهاء الأسطورة القائلة باستحالة هزيمة العدو بجيشه الذي لا يقهر حسب زعم قادته ، وبالتالي فقد فتحت معركة الكرامة الطريق أمام دول الطوق لخوض معركتها الأهم بعد ذلك والمقصود هنا حرب أكتوبر المجيدة .
حرب الاستنزافانتهت حرب 5 يونيو أو حرب الأيام الستة كما سمتها إسرائيل بنهاية مأساوية كشفت عن كثير من أوجه القصور في القوات المسلحة المصرية بشكل عام وفي القوات التي تتولى مهام الدفاع الجوي بشكل خاص ولذا وضعت القيادة السياسية جملة من الأهداف لتجاوز النكسة تتمثل فى : إعادة بناء القوات المسلحة ، إعادة الثقة للجنود في أنفسهم وفي قادتهم ، إعادة الضبط والربط ، إعادة تدريب القوات ، وتنظيم الوحدات ، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف.
مرحلة الصمودفبعد النكسة حاول الإسرائيليون الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة في اتجاه بور فؤاد ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام في طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم في 1 يوليو 67 وهى المعركة التى أطلق عليها " معركة رأس العش " .
وفي 2 يوليو 67 ، حاولت إسرائيل الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمرت عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة بمعركة رأس العين .
وفى 14و 15 يوليو 67 ، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة علي طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية باكملها وهى تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته الي الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري الي الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الاسرائيلية .
وقامت القيادة الإسرائيلية علي إثر هذه الضربة الجوية المصرية الصائبة بطلب وقف إطلاق النار من أمريكا التي كلفت الأمين العام للأمم المتحدة بإبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر عبر التليفون بهذا الطلب الإسرائيلي وكان قائد الطيران المصري في هذا الوقت هو الفريق مدكور أبو العز.
وفي 21 أكتوبر67 ، قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات ، ويروي اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر فى مذكراته تفاصيل ما حدث في هذا اليوم ، قائلا :" جاء يوم 21 أكتوبر 1967 وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة ، وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة ، يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد . كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة ، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ . وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر ، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح ، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها ".
واستطرد يقول :" وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هاجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها ، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها ،
وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى، وعاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة".
لقد كان إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لأول مرة بحسب الجمسي بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم ـ بجدارة ـ هو يوم البحرية المصرية ، مؤكدا أن هذه الضربة كانت هي حديث العالم كله في هذا الوقت .
ما سبق شكل مرحلة الصمود ، وبعد ذلك انطلقت حرب الاستنزاف وهو التعبير الذى أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على العمليات العسكرية التي دارت بين القوات المصرية والاحتلال الإسرائيلى شرق قناة السويس والتى نقلت مصر خلالها المعركة إلى مواقع العدو بعد أن نجحت في مرحلة الصمود ومنع العدو من احتلال أراض جديدة وكان الهدف الأساسى من تلك الحرب هو إسقاط أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى والآليات في صفوف العدو وتدريب الجنود المصريين على عمليات قتالية في شرق القناة تمهيدا للحظة العبور.
وقد شرح جمال عبد الناصر فلسفته في هذة الحرب في حوار مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ، قائلا :" أن يستطيع العدو أن يقتل 50 ألفا منا فإننا نستطيع الاستمرار لأننا نمتلك لاحتياطي الكافي و لكن أن يفقد العدو 10 آلاف فسوف يجد نفسه مضطر إلى أن يوقف القتال فهو لا يمتلك الاحتياطي البشري الكافي ".
وبدأت تلك الحرب في مارس 1969 وانتهت بموافقة عبد الناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى حينئذ روجرز لوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس 1970 .
وكشف كتاب " أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف" الذى صدر عن الهيئة المصرية للكتاب في 2005 ، واعتمد في محتوياته على شهادة شخصيتين كان كل منهما قريبا جدا من أسرار حرب الاستنزاف وعملياتها ، هما: عبده مباشر رئيس القسم العسكري الأسبق في الأهرام، وعميد بحري سابق إسلام توفيق ، أن اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت أقنع الرئيس عبد الناصر أن صورة القائد والضابط والجندي الإسرائيلي في مخيلة القوات المصرية على ضوء نتيجة يونيو 1967 هي صورة المقاتل السوبر (المقاتل الذي لا يقهر)، ولو تم ترك هذه الصورة لتترسخ لأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي في أي صراع عسكري مقبل .
ووفقا للواء محمد صادق أيضا ، فإنه إذا كانت مصر ستخوض معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها ، فإن الخطوة الأولى هي تحطيم صورة المقاتل الإسرائيلي السوبر قبل أن تترسخ في عقول المقاتلين المصريين ، ولتحقيق هذا الهدف فإنه من الضروري أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شرق قناة السويس ، مؤكدا أن سقوط قتلى وجرح وأسرى فى صفوف العدو سيؤدي إلى استنزافه ونزع هذه الهالة التي اكتسبها في يونيو 1967.
وبالفعل وعلى أساس تلك الرؤية العسكرية ، انطلقت حرب الاستنزاف في مارس 1969 وتضمنت هجمات متعددة ضد الاحتلال في سيناء وحتى فى مناطق خارج منطقة الصراع تماما مثل عملية تفجير حفار إسرائيلي في المحيط الأطلنطي .
وكان من أهم إنجازات تلك الحرب عملية إيلات التي تم خلالها الهجوم على ميناء أم الرشراش المصري الذي أسمته إسرائيل إيلات بعد احتلاله ، حيث تم تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وإغراق بارجة إسرائيلية ، وذلك من قبل رجال الضفادع البشرية المصريين بالتعاون مع القوات الأردنية والعراقية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
كما سطر أبطال "المجموعة 39 قتال" التي كان يقودها العميد إبراهيم الرفاعي الذى استشهد فيما بعد بحرب أكتوبر بأسمائهم في سجل التاريخ بالنظر إلى المهام الخطيرة التى أوكلت إليهم وتم تنفيذها بنجاح خلال تلك الحرب ، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية وأذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلي الويل والأهوال وسببت لجنوده حالة هيستيريا دائمة حتى أنهم كانوا يحاولون الوصول بأية وسيلة إلي معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها ، بل أنهم حددوا أسماء ثلاثة من رجال المجموعة للوصول إليهم أحياء أو أموات وهم الشهيد إبراهيم الرفاعي والقائد الثاني للمجموعة الدكتور علي نصر ثم المقاتل الفذ علي أبو الحسن الذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر .
نصر 6 أكتوبر ويؤكد الخبراء العسكريون أن حرب الاستنزاف هى التى مهدت الطريق لنصر 6 أكتوبر ، ففى تقرير نشرته جريدة "العربى الناصرى " فى 5 أكتوبر 2003 ، قال اللواء صلاح المناوي رئيس عمليات القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر :" إن حرب الاستنزاف كانت المدرسة التي أعدت القوات المسلحة المصرية لحرب أكتوبر المجيدة فقد كشفت لنا حرب الاستنزاف كل تجمعات العدو وطريقة اقترابه في الهجوم والشكل القتالي الذي يتواجد به كما كشفت لنا أيضا عدد طائرات العدو المستخدمة في الجو والأخري بالمظلات مما ساعدنا علي إعداد خطة أكتوبر ونجاح القوات المسلحة الباسلة في تدمير طائرات العدو وهي علي الأرض".
وفي السياق ذاته ، أكد اللواء أحمد حجازى أحد أبطال نصر أكتوبر أن التاريخ لن ينسي الانتصارات المصرية خلال حرب الاستنزاف لأنها غيرت وجهة النظر الحربية خاصة في القوات البحرية ، فبعد نجاح القوات البحرية المصرية في تدمير ميناء إيلات ، استبدلت جيوش العالم كله المدمرات والقطع الكبيرة بالزوارق واللنشات الخفيفة ، قائلا :" حرب الاستنزاف كانت نصرا لمصر ولذا سارعت أمريكا لإنقاذ إسرائيل عبر مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار ".
في ضوء ما سبق ، يمكن القول إن حرب الاستنزاف دحضت تماما المزاعم الإسرائيلية حول أن الجيش المصرى تحول إلى جثة هامدة بعد نكسة 1967 .
وبصفة عامة ، فإنه رغم أن نتائج الثورات الشعبية الحالية في عدد من الدول العربية مازالت مجهولة بالنسبة للبعض ، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن المستقبل يضع عقبات لا حصر لها أمام إسرائيل لتكرار ما فعلته في عام 1967 ، خاصة وأن الكلمة باتت للشعوب وليس الحكام .
بعض أبطال عملية إيلات